ملحمة الإيمان حين يتحول الضعف إلى قوة، الكنيسة تحيي ذكرى جدعون الجبار
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ذكرى نياحة البار جدعون، أحد قضاة بني إسرائيل، الذي سطّر اسمه في سجل الإيمان كرمز للطاعة والثقة الكاملة في عمل الله، وكشاهد حيّ على أن النصرة لا تقاس بكثرة العدد بل بصدق القلب واتكال الإنسان على الرب.
سيرة البار جدعون
وتعود أحداث سيرة البار جدعون إلى عام 1349 قبل الميلاد، إذ كان من سبط منسي، ابنًا ليواش، وعاش في زمن اتسم بالضعف الروحي والانكسار القومي لشعب إسرائيل بسبب عبادة الأصنام وسيطرة المديانيين. وفي هذا المناخ القاتم، اختار الله جدعون، رغم بساطته وشعوره بعدم الاستحقاق، ليكون أداة للخلاص. فظهر له ملاك الرب وحيّاه قائلًا: «الرب معك يا جبار البأس»، وهي كلمات حملت وعدًا إلهيًا قبل أن تتحقق الوقائع.
وأمام تساؤلات جدعون عن سبب الضيقات وغياب العجائب التي سمع بها من الآباء، أكّد له الرب رسالته ودعاه للخلاص، معلنًا حضوره ومعونته الدائمة. وبرغم اعتراف جدعون بضعفه وصِغَر شأنه بين عشيرته، طمأنه الرب قائلًا: «إني أكون معك، وستضرب المديانيين كرجل واحد». ومن هنا بدأت رحلة الطاعة، حيث قدّم جدعون تقدمته فقبلها الرب، ثم أطاع الأمر الإلهي بهدم مذابح الأصنام وبناء مذبح للرب، مقدّمًا الذبيحة بأخشاب الأصنام ذاتها، في إعلان واضح لرفض الوثنية والعودة الصادقة إلى الله.
وطلب جدعون آيات تثبّت قلبه، فكانت معجزة جزة الصوف شاهدًا إلهيًا مضاعفًا، حين كان الندى على الجزة وحدها والأرض جافة، ثم بالعكس في الليلة التالية، لتؤكد أن الله يقود الأحداث بدقة وحكمة. فتقوّى قلب جدعون، وخرج لملاقاة المديانيين مع الشعب.
غير أن الله شاء أن يعلّم إسرائيل درسًا خالدًا، فقلّل عدد الجيش تدريجيًا، حتى لم يبقَ سوى ثلاثمئة رجل، لئلا يفتخر الشعب قائلًا إن قوته هي التي خلصته. وبهذا العدد القليل، صنع الرب خلاصًا عظيمًا، فهُزم المديانيون واستولى جدعون ومن معه على الغنائم، ليظهر مجد الله وقوته العاملة في الضعف.
وعاش جدعون بعد ذلك مكرّمًا بين شعبه، وكان الله معه في كل طرقه، حتى أكمل أيامه بسلام وتنيّح ودُفن في مقبرة أبيه. وتؤكد الكنيسة في هذه الذكرى أن حياة البار جدعون ما زالت تنطق برسالة روحية عميقة لكل الأجيال، مفادها أن الطاعة والإيمان الصادق قادران أن يصنعا من القلة قوة، ومن الضعف نصرة، ومن الإنسان البسيط أداة خلاص.