تثبيت أم تخفيض؟ خبراء يتوقعون مصير الفائدة قبل اجتماع البنك المركزي غدًا
يترقّب الشارع المصري باهتمام كبير اجتماع البنك المركزي الأخير لعام 2025، الذي يحسم فيه مصير أسعار الفائدة، لما لهذا القرار من تأثير مباشر على حياة المواطنين وحركة الأسواق والاقتصاد بشكل عام.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور هاني أبو الفتوح الخبير الاقتصادي لـ "فيتو": إن تباطؤ التضخم العام في ظل استقرار الجنيه يمنح البنك المركزي المصري الضوء الأخضر لإنهاء 2025 بدورة تيسير نقدي جريئة تدعم النمو.
مستويات الفائدة الحالية وموعد اجتماع اللجنة
وأضاف الدكتور هاني، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها السابق في نوفمبر تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية البالغة 21 % للإيداع و22 % للإقراض ويترقب السوق الآن اجتماعها الأخير لهذا العام والمقرر في 25 ديسمبر 2025، وتأتي هذه الخطوة في ظل بيانات تضخم أظهرت تباطؤ المعدل السنوي العام للحضر إلى 12.3% في نوفمبر، بينما سجل التضخم الأساسي 12.5%، مع تراجع شهري لافت في المعدل العام إلى 0.3%.
ويرى أن هذه البيانات تعكس نجاحًا ملموسًا في كبح جماح التضخم، إلا أن الأخطر في البيانات هو الارتفاع الطفيف في التضخم الأساسي من 12.1% إلى 12.5%، ما يشير إلى ضغوط هيكلية كامنة، وفي تقديري، لا تزال الفجوة الرقمية بين الواقع الحالي ومستهدف البنك المركزي (7% ±2) بنهاية 2026 تبلغ نحو 5.3%، وهي فجوة أرى أنها تتقلص بوتيرة أسرع من المتوقع، مما يجعل الوصول للمستهدف أمرًا واقعيًا للغاية بحلول الموعد المحدد.
العوامل الاقتصادية الدافعة لاستقرار الأسعار
أوضح أبو الفتوح أن ارتبط استقرار مستويات الأسعار الحالي بشكل مباشر باستقرار سعر صرف الجنيه، الذي يدعمه تدفق سيولة أجنبية ناتجة عن صفقات استثمارية كبرى وموسم سياحي نشط، مما وفر سيولة دولارية مؤقتة خففت من حدة العجز الناتج عن تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة تتراوح بين 60% و70% في الإيرادات خلال الفترة 2024-2025 بسبب التوترات في البحر الأحمر، ومع ذلك، يظل وصف هذا التحسن بـ 'الهيكلي' مشروطًا بقدرة القطاع الصناعي على استدامة وتيرة الإنتاج دون الاعتماد الكلي على التدفقات الرأسمالية الخارجية، خاصة في ظل استمرار الضغوط الناتجة عن عبء خدمة الدين العام التي تلتهم جانبًا كبيرًا من الموازنة، لذا، فإن استقرار الاحتياطيات النقدية، رغم كونه حائط صد، يواجه اختبارًا حقيقيًا أمام استحقاقات الديون الخارجية والتقلبات المحتملة في أسعار السلع الأساسية عالميًا.
السيناريوهات المتوقعة وتقديرات المؤسسات الدولية
وتابع الخبير الاقتصادي، السيناريو الأرجح هو خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، نظرًا لتباطؤ التضخم العام ووصول الفائدة الحقيقية لمستويات مرتفعة (8.5%) أما السيناريو البديل فهو التثبيت، بينما احتمال الرفع منعدم تمامًا.
وقد توقعت مؤسسة فيتش سوليوشنز خفضًا بـ 100 نقطة أساس في هذا الاجتماع، وأتفق مع فيتش لأن انحسار التضخم السنوي يوفر الغطاء النقدي اللازم لدعم النشاط الاقتصادي وتخفيف عبء الدين.

تحليل مخاطر الضغوط التضخمية الخارجية
ولفت إلى أن الخطر الأكبر في تقديري يتمثل في العودة المحتملة لارتفاع أسعار الطاقة عالميًا وتأثيرها على تكلفة النقل. كما يرى أن المخاطر الرئيسية تتلخص في تداعيات الخفض السريع على تدفقات الأموال الساخنة التي قد تبحث عن أسواق ذات عائد أعلى، بالإضافة إلى مخاطر عودة الضغوط التضخمية في حال تم تحريك أسعار خدمات إدارية إضافية مثل الكهرباء والتعليم في مطلع 2026.
الخلاصة والسيناريوهات المتوقعة
واختتم حديثه قائلا: أتوقع أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماعه القادم، ليبدأ مسارًا تيسيريًا أكثر قوة خلال عام 2026. إن استقرار المؤشرات الكلية يفرض على السياسة النقدية الانتقال من مرحلة التقييد إلى مرحلة التحفيز، والأرجح أن تشهد الفائدة تراجعات تراكمية تصل إلى 600-800 نقطة أساس خلال العام المقبل لضمان استدامة التعافي الاقتصادي.
ومن جانبها، قالت الدكتورة درية ماضي مدرس التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس: من المتوقع أن البنك المركزي المصري قد يتجه إلى تثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه المرتقب، في ضوء حالة الترقب التي تسود المشهد الاقتصادي. ويأتي هذا التوجه مدفوعًا بعدة عوامل، أبرزها الحاجة إلى تقييم الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي السابقة، إلى جانب متابعة تطورات التضخم وسعر الصرف، وكذلك المستجدات على صعيد تدفقات النقد الأجنبي والالتزامات التمويلية للدولة.
معدلات التضخم الحالية وتغيير السياسة النقدية
وأشارت إلى أنه على الرغم من تسجيل معدلات التضخم اتجاهًا نزوليًا نسبيًا مقارنة بالذروات السابقة، إلا أنها لا تزال عند مستويات مرتفعة تفوق مستهدفات البنك المركزي على المدى المتوسط. وهو ما يحدّ من قدرة صانع السياسة النقدية على اتخاذ قرارات تيسيرية سريعة، ويدعم استمرار النهج الحذر لحين التأكد من استدامة تراجع التضخم، خاصة التضخم الأساسي.
كيف ينعكس قرار الفائدة المتوقع على سعر الصرف وتدفقات الاستثمار
أوضحت الدكتورة درية أن تثبيت أسعار الفائدة من شأنه أن يسهم في الحفاظ على قدر من الاستقرار النسبي في سوق الصرف، خاصة إذا تزامن مع تحسن تدفقات العملة الأجنبية. كما أن الإبقاء على مستويات فائدة مرتفعة نسبيًا يدعم جاذبية أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل أمام المستثمرين الأجانب، ما قد يعزز تدفقات الاستثمار غير المباشر، مع الأخذ في الاعتبار استمرار حساسية هذه التدفقات للتطورات العالمية.

التأثير المباشر للقرار على المواطن، خاصة القروض والودائع
ولفتت مدرس التمويل والاستثمار إلى أنه في حال تثبيت أسعار الفائدة، سيحافظ المواطنون على نفس تكلفة الاقتراض الحالية دون أعباء إضافية، سواء على القروض الشخصية أو التمويلات العقارية. كما ستظل العوائد على الودائع وشهادات الادخار عند مستوياتها المرتفعة نسبيًا، وهو ما يوفر حماية جزئية للمدخرات في مواجهة التضخم، وإن كان ذلك على حساب استمرار ارتفاع تكلفة التمويل على النشاط الاقتصادي.
والجدير بالذكر أنه من المرجح أن يستمر البنك المركزي في سياسة نقدية حذرة وقائمة على البيانات خلال الفترة المقبلة، مع التركيز على تحقيق التوازن بين كبح التضخم ودعم الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي. وأي تحول في السياسة، سواء نحو التيسير أو التشديد، سيظل مرهونًا بتطورات التضخم، واستقرار سوق الصرف، ومدى تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي بشكل عام.