ما بين الاستئساد الروسي والغضب الأمريكي.. "ذا جارديان": ترامب وبوتين يريدان تدمير أوروبا.. البيت الأبيض يحاول تفكيك النظام الأوربي القديم.. وتحويله لمجموعة دول تتبنى ثقافة الهوية القومية البيضاء
تحت عنوان "ترامب وبوتين يريدان تدمير أوروبا"، نشرت جريدة "ذا جارديان" مقال رأي مشترك لكل من أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية هنري فاريل والباحث في مركز هنري كيسنجر للشئون العالمية سيرجي رادشينكو.
يقول الكاتبان: تنظر الديمقراطيات الليبرالية إلى روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين باعتبارها دولة مستأسدة، وتنظر إلى الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب باعتبارها سكيرا غاضبا.
يضيف المقال: يدرك بوتين أن نزعته الانتقامية العدوانية لن تمنح روسيا أي حب من جانب الدول التي يتوق إلى نيل احترامها، وأنه إذا لم يكن من الممكن أن يكون محبوبا، فعليه أن يكون مهابا. كما يدرك حقيقة أنه: إذا كنت تنتمي إلى نظام اجتماعي يعتبرك أقل شأنا، فلديك كل الحوافز للتحول إلى مفسد.
ترامب وبوتين يريدان تدمير أوروبا
بحسب المقال، فإن الأمر المثير للدهشة هو أن انقلاب دونالد ترامب ضد أوروبا كان له دوافع مماثلة؛ حيث يريد تعطيل النظام الاجتماعي الذي ينظر إليه بازدراء؛ إذ يحظى الرئيس الأمريكي ومسؤولوه باحترام الطغاة، لكنهم يعلمون أن زعماء العديد من الدول الديمقراطية الأخرى ينظرون إليهم بازدراء.
ويضيف: الآن، نرى أن أمريكا هي التي تريد أن تلعب دور المفسد، وأن تحطم التسلسل الهرمي الحالي للاحترام وتستبدله بعالم حيث يحظى فيه ترامب بإجلال غير مشروط. وتعد أوروبا، بتركيزها على سيادة القانون والتعددية، أقوى مثال متبقي لنظام كامل من الهيبة والقيم التي تريد إدارة ترامب تدميره.
نفاق أمريكي واضح
يرى الكاتبان أن المفارقة تتمثل في أن الولايات المتحدة هي التي بنت العالم الذي يسعى ترامب إلى هدمه. فبعد الحرب العالمية الثانية، طورت واشنطن طموحا عالميا جديدا.
وكان الجمهوريون والديمقراطيون يشتركون في الإيمان بأن العالم المبني على القيم الأمريكية سيكون أفضل لأمريكا، وأن الديمقراطية وسيادة القانون هما المثل العليا التي ينبغي تقييم البلدان على أساسها.
وعلى الرغم من النفاق الواضح (فالولايات المتحدة ذاتها كانت تتصرف بانتظام بطرق غير ليبرالية وغير ديمقراطية وتفضل إصدار الأحكام على أن يتم الحكم عليها)، كان هذا بمثابة حجر الزاوية في "القوة الناعمة" الأمريكية والمتمثل في قدرتها على التأثير على العالم بشكل غير مباشر من خلال الثقافة والقيم، وكانت بلدان أخرى تتطلع إلى الولايات المتحدة باعتبارها نموذجًا يحتذى به.
لقد كانت أوروبا الحديثة أعظم إبداع للنظام القديم. فبعد الحرب العالمية الثانية، ساعدت الولايات المتحدة في إعادة بناء اقتصادات أوروبا الغربية، وعززت نجاح الأحزاب الليبرالية، وكثيرا ما عملت بهدوء على تقويض تلك الأحزاب التي اعتقدت أنها بعيدة جدا عن اليسار أو اليمين، وفق المقال.
إدارة ترامب تحاول تفكيك النظام الأوربي القديم
بحسب "ذا جارديان"، يتمتع الاتحاد الأوروبي بجذور تاريخية في الترتيب الذي جرى إنشاؤه لتنسيق المساعدات الأمريكية التي يتم صرفها من خلال خطة مارشال. ومع نموها، قامت ببناء نظام جديد لأوروبا، يقوم على التعاون بين الدول، وأهمية القانون والديمقراطية الليبرالية.
وبعد انهيار الهيمنة السوفييتية على أوروبا الشرقية، توسع الاتحاد الأوروبي ليضم بلدانا إلى جنوبه وشرقه، بشرط أن تستوعب هذه البلدان المبادئ الديمقراطية. وفي كثير من النواحي، جسد الاتحاد الأوروبي قيم النظام الليبرالي الذي أنشأته الولايات المتحدة أكثر من أميركا نفسها.
القوة الناعمة الأميركية آخذة في التراجع
يقول فاريل ورادشينكو: تريد إدارة ترامب تفكيك النظام القديم، واستبداله بنظام قائم على السلطة والمصلحة الذاتية الوطنية. وتعلن استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي التي تستهدف "الحفاظ على قوة ناعمة لا مثيل لها للولايات المتحدة"، معتبرة أن ذلك يمر عبر الاعتراف "بعظمة أمريكا وأخلاقها المتأصلة".
ويتباهى ترامب في مقدمته للاستراتيجية بأن "أمريكا أصبحت قوية ومحترمة مرة أخرى".
ويتابعان: لكن الواقع يؤكد أن الدول التي لا تزال تتمسك بالقيم الليبرالية لا تحترم الولايات المتحدة في عهد ترامب على الإطلاق. إنهم يعاملونه وكأنه مخمور غاضب وغير متماسك، مؤمنين بأن القوة الناعمة الأميركية وتأثيرها غير المباشر على الديمقراطيات الأخرى آخذة في التراجع.
استراتيجية الأمن القومي تبث سمومها
ووفق المقال، فإن التدخل في شئون أوروبا يفسر سبب بث استراتيجية الأمن القومي التي يتبناها ترامب لكل هذا القدر من السموم في إدانة أوروبا. وحتى حين تتخلى الولايات المتحدة بكل تفاخر عن طموحها إلى تغيير العالم، فإنها تقول إنها تريد التدخل في أوروبا وتحويلها.
ويرى الكاتبان أن حركة "ماجا" -حركة يمينية أمريكية تتخذ من شعار ترامب الانتخابي "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" اسما لها- تريد مساعدة الأحزاب الأوروبية اليمينية المتشددة؛ فيما ترغب إدارة ترامب في تحويل أوروبا إلى مجموعة من الدول التي تتبنى ثقافة الهوية القومية البيضاء؛ لكن يبقى أن إدارة ترامب لا تملك القدرة على القيام بما هو أكثر من مجرد إفساد الأمور من خلال تقليل التعامل مع أوروبا، والتراجع عن دورها كضامن لحلف الناتو.