عضو بمجمع الخالدين: اللغة القومية جوهر الهوية والنهوض بالعربية مسؤولية مجتمعية
أكد الدكتور محمد العبد، أستاذ العلوم اللغوية بكلية الألسن جامعة عين شمس عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، أن الاعتزاز باللغة العربية هو اعتزاز بالهوية والوطن والتراث، مشددا على أن طفل اليوم هو عماد الغد، مما يفرض ضرورة ربطه بلغته القومية عبر وسائل عصرية ومبتكرة.
وأشاد الدكتور العبد في تصريحات خاصة لـ “فيتو” بالتجربة السورية في مجال الإعلام الموجه للطفل، حيث نجحت الفضائيات السورية في تقديم برامج مدبلجة بحوار فصيح وسلس، ساهمت بشكل مباشر في تنمية السليقة اللغوية لدى الأطفال، وأوضح أن هذه البرامج أمدت الصغار بثروة لفظية وتعبيرية دون شعور بالثقل أو العناء، معتبرا إياها وسيلة ناجعة لتعزيز التواصل بين الطفل ولغته، داعيا إلى استثمار التكنولوجيا المعاصرة لتقريب العربية الجميلة إلى قلوب وعقول الأجيال الناشئة.
وسائل التواصل الاجتماعي وهول الوضع اللغوي
وحول دور "السوشيال ميديا"، وصفها العبد بأنها التطور الطبيعي لمنظومة الإعلام ونتاج حضاري لا مفر منه، لكنه وصفها بأنها سلاح ذو حدين، فهي دواء وداء في آن واحد، حيث تكمن أهميتها في إخراج الناس من عزلتهم، وتوفير منصة لأهل الفكر والناشطين لتوجيه المجتمع نحو قيم المواطنة والحفاظ على الهوية الثقافية، أما عن الجانب السلبي فحذر العبد من تحولها إلى ساحة للبحث عن الشهرة الزائفة والتعالم السطحي، مشيرا إلى حالة من الفوضى اللغوية واختلاط الحابل بالنابل، حيث تراجعت القوالب اللغوية السليمة لصالح أنماط مشوهة مثل "الفرانكو أراب".
ووصف العبد الوضع اللغوي على منصات التواصل بـ "الهول"، مؤكدا أن تدني مستوى الأداء اللغوي -أسلوبا وصياغة- يعكس انحدارا في علاقة المجتمع بلغته، وهي مشكلة تتفاقم مع مرور الوقت وتتطلب حلولا جماعية عاجلة.
التكنولوجيا.. جوهر لا مظهر
وفيما يخص دمج التكنولوجيا في التعليم، أوضح عضو مجمع اللغة العربية أن مسك الجهاز التقني لا يعني الريادة، فالتكنولوجيا جوهر لا مظهر، وهي منظومة تربوية مستدامة وسلوك حياتي وليست مجرد حصة عابرة، وأشار إلى أن التطوير الرسمي ملموس، لكن العبرة تظل في الطريقة، والاستمرارية، والاقتناع بالجدوى لتحقيق نتائج حقيقية.
إشكالية العامية والفصحى في الأدب
وعن الجدل بين العامية والفصحى، أقر الدكتور العبد بجماليات شعر العامية وتاريخه، مؤكدا أن المشترك المعجمي بينه وبين الفصحى كبير، إلا أن الفصحى تظل أرفع بيانا وأعظم قيمة باعتبارها الرابط التاريخي بين الشعوب العربية.
ومع تقبله للإبداع في قصائد العامية، أعلن العبد رفضه القاطع لكتابة الروايات أو الأعمال الأدبية المطولة بالعامية، مؤكدا أن التاريخ الأدبي هو الفيصل في خلود الإبداع الحقيقي، وأن الأعمال المكتوبة بالعامية غالبا ما تذهب هباء خارج سياق التاريخ اللغوي.
مجمع اللغة العربية وضرورة تضافر الجهود
وفي ختام تصريحاته، وضع الدكتور محمد العبد خارطة طريق للنهوض باللغة، مؤكدا أن مجمع اللغة العربية وحده لا يملك العصا السحرية لحل المشكلات. ودعا إلى تضافر جهود منظومة كبرى تشمل المؤسسات التعليمية من رياض الأطفال إلى الجامعات، والهيئات والمؤسسات الإعلامية، والجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية باللغة.
وشدد على ضرورة تحويل الخطط النظرية إلى واقع عملي، ووضع سياسات ملزمة نابعة من وعي حقيقي، مختتما بقوله: "إن يدا واحدة لا تصفق، وعلينا أن نوقظ العقول ونوجد الحلول بدلا من الشكوى، لنرى أجيالا تقدر لغتها وتعتز بها كخيار أول لا بديل عنه".