ما هي "حرب الإرباك" التي يتهم الغرب بوتين باستخدامها؟.. امتلك أدواتها خلال عمله في "كي جي بي".. وتعتمد على تقويض معنويات أعدائه وتشتيت جهودهم وتجنب المواجهة المباشرة معهم
في كتابه "بوتين.. المسار السري"، يحكي الكاتب ذو الأصول الأوكرانية والمقيم في فرنسا فلاديمير فيديروفسكي، قصة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلاقته بجهاز المخابرات والأمن القومي الرئيسي للاتحاد السوفيتي "كي جي بي"، وكيف أن تاريخه الطويل في عالم الاستخبارات زودته بقدرة هائلة على "خلط الأوراق"، وخبرة كبيرة في ترويض الأدوات الاستخباراتية؛ بما يخدم مصالحه الشخصية بشكل خاص، والمصالح الروسية بصورة عامة.
وبحسب الكتاب، فإن لدى بوتين أقنعة استخباراتية متعددة يجيد إخفاء مشاعره الحقيقة وراءها، و"قدرة خارقة على التلون"، مدعوما برحلة طويلة مع "كي جي بي"، ورغبته الجامحة في أن يكون "جيمس بوند على الطريقة الروسية".
وفي سياق إتقان بوتين لآليات العمل الاستخباري خلال خلال الحرب الروسية الأوكرانية، نشرت جريدة "صنداي تايمز" البريطانية مقالا للمؤرخ البريطاني والخبير في الجريمة العابرة للحدود الوطنية وشؤون الأمن الروسي مارك جاليوتي.
كيف يستخدم بوتين الإزعاج كسلاح ضد الغرب؟
يقول جاليوتي في مقال حمل عنوان “كيف يستخدم بوتين الإزعاج كسلاح ضد الغرب؟”: إن "بوتين يخوض حرب إرباك ضد خصومه".
وعلى الرغم من أن مصطلح "حرب الإرباك" ليس مصطلحا عسكريا رسميا بحد ذاته، إلا أنه يشير إلى مجموعة من التكتيكات غير النظامية أو الحروب النفسية التي تستهدف "خلخلة صفوف العدو، وتقويض معنوياته، وتشتيت جهوده من خلال عمليات غير تقليدية، مثل حرب العصابات وحرب الأعصاب، أو الخدع التكتيكية، بهدف تحقيق أهداف استراتيجية دون مواجهة مباشرة".
روسيا تضع أوربا في منطقة اختبار رمادية
يرصد جاليوتي تحذيرا أطلقته رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "إم آي 6" بليز ميتروويلي الأسبوع الماضي، قائلة: "في المنطقة الفاصلة بين السلم والحرب، تضعنا روسيا في منطقة اختبار رمادية عبر تكتيكات تستخدم قبل شن الحروب".

ويرى الكاتب والمؤرخ البريطاني أن "موسكو أطلقت العنان لأجهزتها الاستخباراتية لتنفيذ ما يبدو أنه أعمال تخريبية محدودة هنا وهناك في أنحاء القارة العجوز؛ سجل منها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجي ما لا يقل عن 67 عملية، منذ عام 2022؛ لكن من الصعوبة بمكان الجزم بوقوف روسيا وراء كل الحوادث؛ وذلك على الرغم من الاتهامات الغربية التي لا تتوقف بأن نظام بوتين يخوض حملة تخريبية في عموم أوروبا تستهدف بث الفوضى لتفرقة وتشتيت وإرباك الغرب".
حروب باستخدام كاميرات التجسس ورسوم الجرافيتي
ومن بين تلك الوسائل اكتشاف كاميرات مزروعة على طول خطوط السكك الحديدية في بولندا التي تحمل المساعدات إلى أوكرانيا، و"رسوم جرافيتي" لأيادٍ حمراء في باريس على نحو يصور فرنسا كملاذ لمعاداة السامية.
كما ربطت عضوة البرلمان الأوروبي بينا بيسيرنو بين هذه الأعمال وبين ما كان يقوم بها جوزيف جوبلز وزير الدعاية النازية، مشيرة إلى أنه يتلقى تهديدات مستمرة بالقتل عبر بريدها الإلكتروني فيما يمكن وصفه بـ"استخدام الإزعاج كسلاح".
روسيا تغذي جنون الشك في أوروبا
وبحسب دراسة سابقة صدرت عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، فإن "روسيا تمثل تهديدا شاملا يغذيه جنون الشك في أوروبا"، بهدف إشعار الشعوب الأوروبية بأن دعم حكوماتها لأوكرانيا يؤثر عليهم بشكل مباشر.
وتشمل "حرب الإرباك" التي تتبعها أجهزة الاستخبارات الروسية التدخل في الانتخابات الأوروبية ونشر الجواسيس وتعقب المعارضين وتصفيتهم ودعم الاتجاهات اليمينية المتطرفة ونشر الأخبار المضلة والقرصنة الالكترونية، وفق الدراسة.
مساع روسية لتغذية الاستقطاب المجتمعي في أمريكا
ولا تتوقف عتبات تلك الحرب عند الحدود الأوربية، وإنما تمتد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يرى جاليوتي أن نظام بوتين يركز على تغذية الاستقطاب المجتمعي.
ويضرب هذا التدخل المجتمع الأمريكي بقوة حتى في فترة ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث شهدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016 تدخلات روسية واسعة النطاق، وفق ما انتهت إليه تحقيقات أجرتها مؤسسات أمريكية عدة منها وزارة العدل، وأجهزة الاستخبارات، ولجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، بحسب تقرير نشره "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة"، ومنظمة بحثية أمريكية غير حزبية تأسست عام 1972 بمنحة من ألمانيا الغربية، وتختص ببحث قضايا مثل الأمن والتكنولوجيا والمستقبل الديمقراطي عبر الأطلسي.
استهداف الحركات الانفصالية الأمريكية
وبحسب التقرير، كشفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية خططا أعدها الرئيس الروسي لزيادة استقطاب الخطاب العام والسياسي في الولايات المتحدة من خلال العزف على أوتار حركات أمريكية مثل حركة "حياة السود مهمة" والحركات الانفصالية في تكساس وكاليفورنيا، فضلا عن اختراق أنظمة اللجنة الوطنية الديمقراطية وحسابات البريد الإلكتروني لكبار مسؤولي حملة هيلاري كلينتون.
كما ذكرت لائحة اتهام صادرة عن وزارة العدل الأمريكية في أكتوبر 2018 أن الفترة من ديسمبر 2014 وحتى مايو 2018 على الأقل، شهدت شن ضباط المخابرات العسكرية الروسية لعمليات اختراق حاسوبية مستمرة ومتطورة أثرت على أشخاص أمريكيين وكيانات شركات ومنظمات دولية وموظفيهم الموجودين في جميع أنحاء العالم، بناء على مصالحهم الاستراتيجية للحكومة الروسية، بحسب التقرير.
بلاتوف –بوتين حاليا- يؤمن بعدم الحاجة إلى استخدام اسم مستعار
يشار إلى أن بوتين كشف في عام 2017 أن اسمه الكودي خلال عمله في "كي جي بي" "بلاتوف"، مضيفا: "كما تعلمون، بدأت عملي في المخابرات الأجنبية، ثم استخدمت في بعض الأحيان أسماء مستعارة، ولكن الآن من السخرية بالنسبة لي استخدام اسم مستعار، وبطبيعة الحال، لم استخدم أي لقب في وسائل الإعلام الاجتماعية من قبل، وسيكون من الطبيعي للجميع عدم استخدام الألقاب في وسائل التواصل الاجتماعي، لماذا تختبئ وراء اسم مستعار؟".
وتخرج بوتين من كلية الحقوق بجامعة لينينجراد في عام 1975، ثم درس في المدرسة العليا التابعة لجهاز "كي جي بي"، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وعمل في جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الفترة منذ عام 1985 حتى عام 1990، على أنه مدير لبيت الصداقة "الاتحاد السوفيتي- جمهورية ألمانيا الديمقراطية".