فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

"بي بي سي" تكشف عن شبكة إسرائيلية تستغل أطفالا مصابين بالسرطان للاحتيال في جمع ملايين الدولارات

شبكة إسرائيلية تستغل
شبكة إسرائيلية تستغل أطفالا مصابين بالسرطان

كشف تحقيق نشره موقع "بي بي سي" عن شبكة عالمية، يقودها إسرائيلي يعيش في كندا يُدعى إيريز هاداري، تستغل الأطفال المصابين بالسرطان في عمليات احتيال بهدف جمع ملايين الدولارات.

تقول والدة الطفل الفلبيني المصاب بالسرطان خليل وتدعى ألجين: ظهر ابني في مقطع فيديو ببشرته الشاحبة ورأسه الحليق؛ حيث تحدث في الفيديو قائلا: عمري سبع سنوات ومصاب بسرطان. أرجوكم أنقذوا حياتي وساعدوني".

لم يكن الطفل يريد تسجيل هذا المقطع، لقد حضر المصورون وطلبوا مني أن أحلق شعره، وطلبوا من العائلة أن تتظاهر بأنه يوم عيد ميلاده. كما أعطوه نصا ليحفظه ويلقيه باللغة الإنجليزية؛ لقد شعر خليل بالاستياء عندما وضعوا بجانبه بصلا مقطعا ودهنوا تحت عينيه بمادة المينثول لاستدرار دموعه".

وعلى الرغم من أن المشهد كان مُفبركًا، وافقت ألجين على ذلك لأنّ خليل كان فعلًا مصابًا بالسرطان.

وقيل لها إن هذا الفيديو سيساعد في جمع تبرعات لعلاجه في مكان أفضل. وبالفعل، جُمعت مبالغ من خلال حملة باسم خليل قيمتها 27 ألف دولار، وفقًا لحملة وجدناها تحمل اسمه.

لكن ألجين أُبلغت بأن الحملة فشلت، وتقول إنها لم تتلق أيا من هذا المال، وأن كل ما حصلت عليه هو 700 دولار كأجر يوم التصوير. وبعد عام واحد، تُوفي خليل.

شبكات الاحتيال حققت آلاف الدولارات من طفل واحد

تضيف الأم الفلبينية: "عندما اكتشفنا أن خليل مصاب بالسرطان، شعرتُ وكأن عالمي كله تحطّم، حيث إن العلاج في المستشفى المحلي بمدينة سيبو كان بطيئا، وراسلت كل شخص خطر ببالي طلبا للمساعدة. وأوصلني أحدهم ب رجل أعمال محلي يُدعى روني ينسييرتو - الذي طلب مني مقطع فيديو لخليل، وهو ما أدركت فيما بعد أنه كان بمثابة تجربة أداء".

ثم وصل رجل آخر من كندا في ديسمبر 2022، عرّف عن نفسه باسم "إيريز". وتقول ألجين إنه دفع لها أجر التصوير مقدما، ووعدها بمبلغ إضافي قدره 1500 دولار شهريا إذا حقق الفيلم تبرعات كبيرة.

<span style=
عائلة الطفل خليل تسلمت 700 دولار كأجر يوم التصوير

أخرج إيريز فيديو خليل في مستشفى محلي، وكان يطلب إعادة اللقطات مرّة بعد مرة، واستغرق التصوير 12 ساعة، بحسب ألجين.

تقول العائلة إنها ظلّت على مدى أشهر لا تعرف كيف كان أداء الفيديو، حتى تواصلت ألجين مع إيريز، ليخبرها الأخير أن الفيديو "لم يكن ناجحًا".

وتقول: "فهمت من كلامه أن الفيديو لم يحقق أي أموال".

لكننا أبلغناها أن الحملة كانت قد جمعت -على ما يبدو- 27 ألف دولار حتى نوفمبر 2024، وما زالت موجودة على الإنترنت.

تقول ألجين: "لو كنت أعلم بالمبلغ الذي جُمِع، لربما فكرت بأن خليل لا يزال بيننا اليوم. لا أفهم كيف استطاعوا أن يفعلوا هذا بنا".

رجل أعمال فلبيني ينفي علاقته بجمع الأموال

ولدى سؤال رجل الأعمال عن دوره في عملية التصوير، نفى ينسييرتو أنه طلب من العائلات حلق رؤوس أطفالها من أجل التصوير، وقال إنه لم يتلق أي مقابل مادي لقاء تجنيد العائلات.

وأضاف أنه لم يسيطر "بأي شكل" على ما حدث للأموال، كما لم يكن له أي تواصل مع العائلات بعد يوم التصوير. وعندما أخبرناه بأنهم لم يتلقوا أيا من التبرعات التي جمعت، قال إنه "مذهول" وإنه "يأسف للغاية للعائلات".

تقول "بي بي سي": وصلنا إلى 15 عائلة تقول إنها لم تحصل إلا على القليل أو لم تحصل على أي شيء من الأموال التي جمعت، وغالبا من دون أن تعلم حتى بأن الحملة نشرت، برغم خضوع أطفالهم لتجارب تصوير مروعة.

وتضيف: "بدأت حملتنا في أكتوبر 2023، وتحدثنا إلى تسع عائلات أكدت أنها لم تتلق شيئا إطلاقا من أربعة ملايين دولار جُمعت ظاهريًا باسمها".

"إسرائيل" منبع الكارثة

كانت الحملات ذات الانتشار الدولي الأكبر تُنشر تحت اسم منظمة تُدعى "تشانس لتيكفا" (فرصة للأمل)، مسجّلة في "إسرائيل" والولايات المتحدة.

وبحسب "بي بي سي"، كان من الصعب التعرف على الأطفال الظاهرين في هذه المقاطع؛ لذا جرى استخدام وسائل تحديد الموقع الجغرافي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج التعرف على الوجه للعثور على عائلاتهم الممتدة من كولومبيا إلى الفلبين.

<span style=
آنا ووالدها يعيشان في مجتمع من السكان الأصليين في كولومبيا

كما تحدّثنا إلى امرأة تقول إنها تبرّعت بـ 180 دولارًا لحملة ألكسندرا، ثم انهالت عليها بعد ذلك طلبات إضافية للتبرّع، جميعها مكتوبة وكأنها مرسلة من ألكسندرا ووالدها.

منظمات احتيال مسجلة في "إسرائيل" وكندا

تقول "بي بي سي": "لا يظهر أي شخص باسم إيريز في وثائق تسجيل منظمة تشانس لتيكفا. إلا أن حملتين من الحملات التي حققنا فيها كانتا قد حظيتا بالترويج أيضا عبر منظمة أخرى تدعى وولز أوف هوب (جدران الأمل)، وهي مسجلة في إسرائيل وكندا. وتشير الوثائق إلى أن مديرها في كندا هو إيريز هاداري.

وتُظهر الصور المنشورة لـ"هاداري" على الإنترنت مشاركته في مناسبات دينية يهودية في الفلبين ونيويورك وميامي. وعندما عرضنا الصور على ألجين، أكدت أنه الشخص نفسه الذي التقت به.

ثم سألنا هاداري عن دوره في حملة أُنجزت في الفلبين، لكنه لم يرد.

في مدينة سوكري شمال غربي كولومبيا، يقول سيرخيو كاري إنه رفض هذه المساعدة في البداية. فقد تواصلت معه امرأة تُدعى إيزابيل، كما يقول، وعرضت عليه تقديم دعم مالي بعد تشخيص ابنته آنا -البالغة من العمر ثماني سنوات- بورم خبيث في الدماغ.

لكن إيزابيل عادت للبحث عنه في المستشفى الذي كانت تعالج فيه آنا، كما يقول، برفقة رجل ادعى أنه يعمل لدى منظمة دولية غير حكومية.

وجاء الوصف الذي قدّمه سيرخيو لهذا الرجل مطابقا لوصف إيريز هاداري، حيث أكد ذلك حين تعرف عليه في الصورة التي عرضناها عليه.

وقال سيرخيو: "لقد أعطاني أملا، لم يكن لدي أي مال للمستقبل".

مطالب منظمات الاحتيال لا تنتهي

يقول سيرخيو إن إيزابيل واصلت الاتصال، مطالبة بمزيد من الصور لآنا في المستشفى. وعندما لم يرد، بدأت إيزابيل تراسل آنا نفسها، بتسجيلات صوتية استمعنا إليها.

وقالت آنا لإيزابيل إنها لم تعد تملك أي صور جديدة لترسلها. فردّت إيزابيل: "هذا أمر سيئ جدّ يا آنا، سيئ جدا بالفعل."

وفي يناير من هذا العام، حاولت آنا -التي كانت قد شفيت تماما- معرفة ما حدث للأموال الموعودة؛ حيث قالت لها إيزابيل في رسالة صوتية: "تلك المؤسسة اختفت. لم ينشر الفيديو الخاص بك إطلاقا.

لكن شبكة "بي بي سي" استطاعت رؤية الفيديو وقد تمّ تحميله بالفعل، والذي جمع بحلول أبريل 2024 حوالي 250 ألف دولار.

في أكتوبر، تمكّنا من إقناع إيزابيل هيرنانديز بالتحدث إلينا عبر اتصال فيديو.

وقد شرحتْ لنا إيزابيل أن صديقة لها من إسرائيل عرفتها على شخص يعرض عليها عملًا لصالح "مؤسسة" تهدف إلى مساعدة الأطفال المصابين بالسرطان. لكنها رفضت الكشف عن اسم الجهة التي كانت تعمل لصالحها.

وتقول إنها أُبلغت بأن حملة واحدة فقط من الحملات التي ساعدت في تنظيمها قد نشرت فعلًا، وأنها لم تكن ناجحة.

لكن "بي بي سي" اطلعت على حملتين نشرتا بالفعل، إحداهما جمعت على ما يبدو أكثر من 700 ألف دولار.

وقالت إيزابيل: "أحتاج للاعتذار من العائلات. لو كنت أعلم ما الذي كان يحدث، لما أقدمت على فعل شيء كهذا".

ضحايا للشبكة في أوكرانيا

نظمت تيتيانا خاليافكا نظمت جلسة تصوير للطفلة فيكتوريا، البالغة من العمر خمس سنوات والمصابة بسرطان الدماغ، داخل عيادة أنجيلهولم في مدينة تشيرنيفتسي الأوكرانية.

وفي أحد منشورات فيسبوك المرتبطة بحملة "تشانس ليتيكفا"، تظهر فيكتوريا ووالدتها أولينا فيرسوفا جالستين على سرير، ويتضمن المنشور تعليقًا يقول: "أرى جهودكم لإنقاذ ابنتي، وهذا يلامس قلوبنا جميعا. نحن في سباق مع الزمن لجمع المبلغ المطلوب لعلاج فيكتوريا".

تقول أولينا إنها لم تكتب أو تنطق بهذه الكلمات قط، ولم تكن تعلم أصلا أن الحملة قد نشرت، على الرغم من أن الحملة جمعت أكثر  نحو 329 ألف دولار، ما يعني أنها سقطت فريسة لشبكات الاحتلال.

ووفق العقد الذي حصلت عليه "بي بي سي" من أولينا، فإنه بالإضافة إلى أجر 1500 دولار يوم التصوير، ستحصل العائلة على ثمانية آلاف دولار عند تحقيق هدف جمع التبرعات. غير أن خانة مبلغ هذا الهدف تركت فارغة.

ويُظهر العقد عنوانًا في نيويورك لمنظمة "تشانس ليتيكفا". وعلى موقع المنظمة الإلكتروني يظهر عنوانًا آخر - في بيت شيمش، على بُعد ساعة من القدس المحتلة. 

لا أثر للشركة المعروفة باسم "تشانس ليتيكفا"

وقد سافر صحفيو "بي بي سي" إلى العنوانين، لكنهم لم يجدوا أي أثر للمنظمة، حيث اكتشفوا أن "تشانس ليتيكفا" تبدو وكأنها واحدة من عدة منظمات مشابهة.

<span style=
أولينا مع ابنتها فيكتوريا التي شخصت مؤخرا بورم دماغي جديد

وشرح شخص كان يعمل سابقا في تجنيد الأطفال لحملات "تشانس ليتيكفا" لـ"بي بي سي"، كيف كان يتم اختيار الأطفال الذين يظهرون في الفيديوهات.

وقال هذا الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنه كان يطلب إليه زيارة أقسام الأورام في المستشفيات.

وأضاف: "كانوا يبحثون دائمًا عن أطفال على درجة من الجمال ذوي بشرة بيضاء، تتراوح أعمارهم بين ثلاث وتسع سنوات، ويجيدون التحدث، وأن تكون رؤوسهم حليقة".

وأضاف: "كانوا يطلبون مني صورًا لأرى إن كان الطفل مناسبًا، ثم أرسلها إلى إيريز".

وقال إن هاداري كان يرسل الصور بعد ذلك إلى شخص آخر في "إسرائيل"، لم يُكشف له عن اسمه مطلقًا.

وتختتم "بي بي سي" التحقيق قائلة: "أما بالنسبة لهاداري نفسه، فحاولنا الوصول إليه في عنوانين مختلفين في كندا دون جدوى. وقد رد على رسالة صوتية واحدة سألناه فيها عن الأموال التي بدا أنه كان يجمعها معلقا: إن المنظمة لم تكن نشطة أبدًا"، من دون تحديد أي منظمة يقصد. ولم يردّعلى رسالة صوتية أخرى ولا على الرسالة الخطية التي تضمّنت جميع أسئلتنا والاتهامات الموجهة إليه".