أنبا إبرام بن زرعة، بطريرك الزهد والمعجزة نقش اسمه في ذاكرة الكنيسة
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ذكرى نياحة القديس أنبا إبرام، بابا الإسكندرية الثاني والستين، الذي تنيح في مثل هذا اليوم من عام 970 ميلادية، بعد مسيرة حافلة بالإيمان والعطاء والإصلاح.
قصة القديس أنبا إبرام
ويعد القديس أنبا إبرام، المعروف بابن زرعة السرياني، من أبرز بطاركة الكنيسة في القرن العاشر الميلادي. وُلد في المشرق وكان تاجرًا ثريًا، تردد على مصر مرارًا قبل أن يستقر فيها، واشتهر منذ شبابه بفضائل الرحمة ومحبة الفقراء، إلى جانب علمه وتقواه، ما جعله موضع تقدير الأساقفة والشيوخ الذين أجمعوا على اختياره بطريركًا للكنيسة القبطية عقب خلو الكرسي المرقسي.
وعقب جلوسه على الكرسي البطريركي، قدّم أنبا إبرام نموذجًا فريدًا في الزهد، إذ وزّع جميع أمواله على الفقراء والمساكين. كما عُرف بعدله وأمانته، ويتجلى ذلك في قصته مع قزمان الوزير القبطي والي فلسطين، حينما أودع لديه مئة ألف دينار لتوزيعها على المحتاجين والكنائس والأديرة في حال وفاته. وعندما ظن البطريرك أن الوزير قد توفي، نفّذ الوصية كاملة، فكان رد فعل قزمان عند عودته مفعمًا بالفرح والرضا، تقديرًا لأمانة الأب البطريرك.
وشهدت فترة رعايته إصلاحات روحية واجتماعية مهمة، حيث أبطل عادات فاسدة، وحرّم الرشوة في نيل الدرجات الكنسية، وشدد على نقاوة الحياة الأسرية، ما أدى إلى توبة كثيرين واستقامتهم. كما عُرف بحكمته الرعوية وحزمه الأبوي في مواجهة الخطايا، دون أن يتخلى عن روح الاتضاع والمحبة.
وتبرز في سيرته مواقف لاهوتية وتاريخية مهمة، من بينها مناظرته الشهيرة في مجلس الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، بمشاركة الأنبا ساويرس ابن المقفع، حيث دافعا عن الإيمان المسيحي بحجج قوية نالت احترام الحاضرين. كما ارتبط اسمه بالمعجزة المعروفة بانتقال جبل المقطم، التي جرت بالصلاة والصوم، وأثمرت عن سماح الخليفة بعمارة الكنائس وتجديدها، وعلى رأسها كنيسة القديس مرقوريوس أبي سيفين بمصر القديمة.
وخلال فترة رئاسته القصيرة التي امتدت ثلاث سنوات وستة أيام، جدد القديس أنبا إبرام العديد من الكنائس في أنحاء الكرسي المرقسي، وترك أثرًا روحيًا عميقًا ما زال حاضرًا في ذاكرة الكنيسة وتاريخها. وقد تنيّح بسلام، تاركًا سيرة عطرة تُستعاد كل عام، بوصفه مثالًا للراعي الصالح والقديس الأمين.