“الإيجار القديم” يشعل الجدل مجددًا.. الطعون بعدم الدستورية حقيقة قانونية أم تلاعب بالمستأجرين؟.. خبراء: التعديلات تغافلت عن حق الامتداد القانوني.. وضربت بالأحكام السابقة عرض الحائط
مع بدء تطبيق قانون الإيجار القديم ، عاد الجدل القانوني إلى الواجهة، بعدما أعلن بعض محاميِّ المستأجرين نيتهم الطعن على عدد من مواده أمام المحكمة الدستورية العليا لعدم دستوريته، ورغم تكرار هذه التصريحات في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، يرى متخصصون أن جزءًا من هذا الحديث قد يكون موجهًا لطمأنة المستأجرين أو استنزافهم ماديا أو للاستهلاك الإعلامي وإثارة الجدل أكثر منه مؤشرًا على مسار قانوني مؤثر، خاصة في ظل تأكيد جهات قانونية أخرى أن القانون مر بجميع مراحله الدستورية والتشريعية، فضلا عن التصديق الرئاشي عليه ونشره في الجريدة الرسمية.
وبين هذا وذاك، يبقى من المهم عرض وجهتي النظر كما طرحها كل طرف - محامو المستأجرين من جانب، وممثلو الملاك والجهات المؤيدة للقانون من جانب آخر - لإتاحة صورة متكاملة للقارئ حول حقيقة ما يجري وحدود ما يمكن أن تؤول إليه هذه الطعون.
تعديلات باطلة
أعرب محمود عطية، المستشار القانوني لرابطة المستأجرين، عن رفضه الشديد تعديلات قانون الإيجارات القديمة، مؤكدًا أن القانون من بدايته حتى نهايته باطل ومخالف للدستور، وذلك على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن الأسس التي استندت إليها محاولات تعديل القانون خلال السنوات الماضية لا تراعي الاستقرار المجتمعي، منتقدا طول المدة الزمنية التي استغرقتها بعض القضايا المتعلقة بالإيجارات أمام المحكمة الدستورية، لافتًا إلى أن بقاء قضايا معلّقة لأكثر من 25 أو 30 عامًا أمر غير مقبول.
وأضاف أن الحكم الصادر بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية كان يستوجب معالجة متوازنة دون غلو أو مبالغة، وهو ما يرى أنه لم يتحقق في التعديلات المطروحة.
كما استنكر عطية تصريحات رسمية تناولت قانون الإيجار الجديد الصادر عام 1996، والتي شددت على استمرار العمل به تطبيقًا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، متسائلًا عن سبب الالتزام بهذه القاعدة في بعض الحالات وتجاهلها في حالات أخرى تخص الإيجارات القديمة.
وأبدى تحفظه على فرض زيادات كبيرة في الإيجارات رغم الظروف الاقتصادية الراهنة، متسائلًا: كيف يُطالَب من يدفع 20 أو 30 جنيهًا بأن يدفع 400 أو 500 جنيه؟ ومن أين سيأتي المواطن بهذه المبالغ؟
وأوضح عطية أن معظم المباني القديمة لم تتجاوز تكلفة بنائها آلاف الجنيهات عند تشييدها، مستعرضًا أمثلة تاريخية تؤكد انخفاض تكلفتها وقيمتها الإيجارية في ذلك الوقت.
وأشار إلى أن تطبيق الزيادات المقترحة قد يؤدي إلى تشريد ملايين المواطنين، متسائلًا عن مدى استعداد الدولة لتحمل تبعات قرار بهذا الحجم، كما استشهد بتجارب دول أخرى، مثل لبنان، اضطرت إلى التراجع عن خطوات مماثلة.
وأكد أن الأنظمة الغربية التي تتضمن زيادات سنوية في الإيجارات تربط تلك الزيادات بتقديم خدمات وصيانة وتجهيزات إضافية للمستأجرين، وهو ما لا ينطبق على واقع الإيجارات في مصر.
واختتم محمود عطية تصريحاته بدعوة المحكمة الدستورية العليا إلى النظر في تداعيات هذا الملف بمسؤولية تتوافق مع دورها الدستوري، مؤكدًا ثقته في حرصها على مراعاة الصالح العام.
مخالف لأحكام المحكمة الدستورية
ومن جانبه، يقول مشيل حليم، أحد المحامين في قضايا الإيجار القديم، إن القانون شابه العديد من العوار الدستوري، وخاصة أنه تغافل عن حق الامتداد القانوني، وهو ما يعد مخالفة للمبادئ التي أرستها المحكمة الدستورية العليا بشأن الامتداد، بالإضافة إلى مخالفة حكم صريح سابق للمحكمة الدستورية سبق وأن قضى بعدم دستورية طرد مستأجر مالك لوحدة سكنية أخرى، إلا أن القانون الجديد ضرب عرض الحائط بكافة الأحكام الدستورية السابقة والملزمة لكافة جهات الدولة طبقًا لنص المادة 98 من قانون المحكمة الدستورية، وخالف فلسفة التشريع لعدم مراعاة الظروف العامة وحالة التضخم التي يمر بها العالم بأسره.
واستكمل قائلًا: نسعى للتمسك بحقنا في الامتداد الذي أقرته المحكمة الدستورية، بالإضافة إلى الظروف العامة لكبار السن وذوي الإعاقة وأصحاب المعاشات، والذين اعتبروا أن القانون قد هدد استقرارهم بالأماكن التي عاشوا بها وتكبدوا دم قلبهم من خلوات وتشطيبات كانت تقارب ثمن وحدة في ذلك الوقت، وهو ما أكدته الوقائع التاريخية من خلوات تم سدادها من قبل المستأجر، وعقود رضائية حُررت بكامل رضا المالك، وهو يعلم أن المستأجر اتخذ من العين محلًا لاستقراره هو وأسرته.
واستكمل: لا ننكر مشروعات الدولة، ولكن قلق المستأجرين يرجع سببه لكثرة التحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها البلاد، وتمسكهم بحق الامتداد.
القانون مر بكل خطوات حفظ الحقوق
وعلى الجانب الآخر، كشف مصطفى عبد الرحمن، ائتلاف إيجار قديم، أن الدستور المصري صان الحقوق بشكل عام، والمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، والتقاضي مكفول للجميع، ومن الحق أن يلجأ المواطن للتقاضي للمحافظة على حقوقه من وجهة نظره، ولكن بالإشارة للقانون 164 لسنة 2025 ورفع عدة قضايا في المحكمة الدستورية العليا ومحكمة مجلس الدولة، فعلينا توضيح بعض الأمور، حتى يعرف الجميع هل من الحق رفع قضية أم لا، وهل ستكون مجدية أم هي ضياع للوقت، واستغلال موقف من قبل من رفعوا الدعاوى.
أوضح رئيس ائتلاف الإيجار القديم أولًا أن قانون الإيجار القديم قانون استثنائي، وكان يجب الانتهاء من تعديلاته منذ عدة سنوات ماضية، لأنه كان له ظروف خاصة بالوطن وحالة العوز التي اضطرت الحكومات للاستمرار طوال 70 عامًا دون تعديل يُذكر.
وأوضح أن القانون يحافظ على الثروة العقارية وحقوق ملاك العقارات القديمة الذين دفعوا الثمن غاليًا جدًا، من خلال الأهالي الذين ماتوا قهرًا وظُلموا على الأملاك التي دمرها استمرار قانون الإيجار القديم.
وأضاف: سنعود مرة أخرى للثروة العقارية التي انهارت بالكامل تقريبًا، وتأكلت العقارات من قلة الصيانة لعدم حصول مالكي هذه العقارات على عائد يمكنهم من صيانة العقار، ومستأجر يدفع قروشًا بسيطة أو جنيهات قليلة مقابل الانتفاع بالسكن والسكينة، مما أدى إلى سوء حالة هذه العقارات وتدميرها، بعد استهلاكها بمرور سنوات كثيرة جدًا لم تُصن فيها.
واستكمل: ومع تغافل واضح من جميع الأنظمة السابقة عن إنهاء هذه المعاناة، ولم تلتفت هذه الأنظمة الحاكمة السابقة لصرخات مدوية لملاك العقارات القديمة، وقد فوجئنا بتدخل واضح من الرئيس عبد الفتاح السيسي بتصريحات قوية جدًا عامي 2022 و2023، وقال كلمته الشهيرة “هخلي الناس تتكعبل في الشقق” لطمأنة المستأجرين، وأضاف: علينا المحافظة على الملكية الخاصة، وكانت بادرة أمل للملاك على فتح ملف الإيجار القديم بعد سنوات من التجاهل.
وبعد ذلك تقدمت الحكومة بالمشروع لمجلس النواب منتصف هذا العام، وقام المجلس بدور حقيقي وهام، وهو عرض المشروع على اللجان المعنية من لجنة الإسكان والتشريع.
وبعد ذلك قام المجلس بعمل لجان استماع موسعة، ضمت كل الأطراف من ملاك ومستأجرين ونقابات مهنية ومحافظين وشخصيات عامة، في حضور عدد كبير من نواب مجلس النواب، ومثل ملاك العقارات القديمة في هذه الجلسات مصطفى عبد الرحمن ممثلًا عن الملاك وعدد 5 ملاك آخرين، وشريف الجعار ممثلًا عن المستأجرين وعدد 5 من مستأجري القانون، لضمان الحيادية والأطراف، للحديث بكل حرية في حضور رئيس لجنة الإسكان ممثلًا لمجلس النواب ووزير شؤون المجالس النيابية ممثلًا للحكومة.
وهذه الجلسات عُقدت على مدار شهرين للتشاور والتوقيع على قانون يحفظ حقوق جميع الأطراف، وتم بعد ذلك عرض المشروع على اللجنة العامة بمجلس النواب يومي 30/6 و1/7/2025، وتمت الموافقة على المشروع بإرادة شعبية من أعضاء مجلس النواب أغلبية ومعارضة، وتم إرسال الملف لرئاسة الجمهورية للتصديق عليه من فخامة الرئيس السيسي، وبالفعل تم التصديق يوم 4/8/2025، وتم النشر في الجريدة الرسمية يوم 5/8/2025، وتم العمل به بالفعل، مواده الـ8 أهمها تحديد قيمة إيجارية 20 ضعفًا بحد أدنى 1000 جنيه للمناطق المميزة مثل الدقي والمهندسين والمعادي وخلافه، و10 أضعاف بحد أدنى 400 جنيه للمناطق المتوسطة، و10 أضعاف بحد أدنى 250 جنيهًا للمناطق الاقتصادية.
وإذا نظرنا للقيم الإيجارية سنلاحظ أنها متدنية جدًا نسبة للقيم الإيجارية الحالية، وتمثل حوالي 7% من القيمة الإيجارية الحالية على أرض الواقع، وأيضًا القانون أعطى الحق لمن يستحق سكنًا بديلًا بشروط ميسرة بدون مقدم، مما يدل على أن الدولة ساندت المستأجرين لإيجاد حلول للمشاكل قبل أن تظهر.
وبذلك يكون القانون 164 لسنة 2025 مر بكل الخطوات التي تحفظ الحقوق، مع ملاحظة أن رئيس مجلس النواب المستشار حنفي الجبالي، الذي كان يشغل رئاسة المحكمة الدستورية العليا، ما يعني أنه لن يسمح بمرور قانون مخالف للدستور، فكيف بعد كل ذلك ندفع بعدم دستورية القانون؟ فهذا هو ردي على كل من يرفع قضايا ضد القانون 164 لسنة 2025، فالقانون لم يخالف الدستور ولا الأحكام الدستورية.
واختتم قائلًا: نطالب الآن من الجميع تحمل المسؤولية كاملة تجاه استقرار هذا الوطن، وعدم افتعال نزاعات غير موجودة على الإطلاق، وعلى السادة المستأجرين يرجعوا أنفسهم مرة أخرى في عدد القضايا التي يتم رفعها في المحاكم، وعدم الانصياع للرغبات الشخصية للظهور وكسب مكاسب مختلفة على حساب الوطن، والنظر للمصلحة العامة للبلاد التي تطالبنا جميعًا بالسير خلف القيادة السياسية التي وقعت على القانون، ووجود مستشارين أكفأ بهذه المؤسسة الحاكمة.
..ويبقى التساؤل: هل هذه جولة أخيرة قد يتبعها إعادة الأزمة إلى المربع صفر، أم أن الموضوع برمته قد انتهي، والأمر لا يعدو كونه إهدارا للوقت والمال وتلاعبا بالإعصاب.