فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

اقتصاد الخدمات الرقمية بين توسع السوق وفراغ التشريعات.. خبراء: الاقتصاد الرقمي يؤثر على العمالة.. 8.2 مليار دولار إيرادات التجارة الإلكترونية بمصر خلال 2025.. ويجب وجود جهة رقابية موحدة

الاقتصاد الرقمي،
الاقتصاد الرقمي، فيتو

في السنوات الأخيرة، شهدت مصر تحولًا سريعًا نحو الاقتصاد الرقمي، مدعومًا بانتشار واسع للإنترنت والهواتف الذكية، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في استخدام المحافظ الإلكترونية ومنصات الدفع والتجارة الإلكترونية وفقًا لبيانات عام 2025، هناك حوالي 96.3 مليون مستخدم للإنترنت في مصر، مما يمثل نسبة انتشار تبلغ حوالي 81.9٪ من السكان.

أما في مجال المدفوعات الرقمية، فقد بلغ عدد المحافظ الإلكترونية النشطة 46.3 مليون محفظة في الربع الثاني من عام 2025، مما يمثل زيادة ملحوظة مقارنة بنفس الفترة في عام 2024 ووفقًا لتقرير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بلغت قيمة العمليات المنفذة عبر هذه المحافظ خلال هذا الربع حوالي 943.4 مليار جنيه.

فيما يتعلق بسوق التجارة الإلكترونية، يُقدَّر حجم السوق في عام 2025 بحوالي 10.24 مليار دولار، مع توقعات بنمو مستمر في السنوات القادمة، بهذه الأرقام، يتضح أن الاقتصاد الرقمي في مصر لم يعد مجرد خيار نخبوي أو نشاط محدود، بل أصبح ركيزة أساسية من النشاط الاقتصادي، تشمل خدمات الدفع والتجارة والتوصيل وغيرها، وتؤثر بشكل ملموس على حياة ملايين المصريين.

وفي ذات السياق، يؤكد متولي إبراهيم الخبير القانوني والاقتصادي على أن اقتصاد الخدمات الرقمية في مصر: توسع السوق وفراغ التشريعات لم يعد الاقتصاد الرقمي مجرد رفاهية أو خيارا إضافيا، بل أصبح في مصر واقعًا يفرض نفسه على المواطنين والشركات والدولة. من المحافظ الإلكترونية التي تسهّل المعاملات اليومية، إلى منصات التجارة الإلكترونية التي غيّرت شكل السوق، وصولًا إلى تطبيقات التوصيل التي أعادت تعريف مفهوم الخدمة، نحن أمام تحول اقتصادي واجتماعي عميق. لكن هذا التحول السريع يطرح سؤالًا جوهريًا: هل التشريعات المصرية قادرة على مواكبة هذا التوسع؟


حجم وانتشار الاقتصاد الرقمي

ومن جانبه قال متولي ابراهيم لـ "فيتو": الأرقام الرسمية تكشف عن طفرة غير مسبوقة، المحافظ الإلكترونية: بلغ عدد المحافظ الإلكترونية في مصر أكثر من 46 مليون محفظة نشطة بحلول منتصف 2025، بزيادة تقارب 30% عن العام السابق. هذه المحافظ نفذت خلال ثلاثة أشهر فقط أكثر من 718 مليون عملية مالية بقيمة تجاوزت 943 مليار جنيه.

• التجارة الإلكترونية: وفقًا لتقارير دولية، بلغت إيرادات التجارة الإلكترونية في مصر عام 2025 نحو 8.2 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعها إلى 11.7 مليار دولار بحلول 2029.

الدكتور متولي ابراهيم الخبير القانوني والاقتصادي، فيتو 
الدكتور متولي ابراهيم الخبير القانوني والاقتصادي، فيتو 

وتابع:  الخدمات اليومية: تطبيقات مثل “طلبات” و”أوبر” و”كريم” أصبحت جزءًا من الحياة اليومية، حيث يعتمد ملايين المصريين عليها في التنقل أو الحصول على الطعام والمنتجات، هذا التوسع لم يأتِ من فراغ، بل من رغبة المجتمع في الحصول على خدمات أسرع وأرخص وأكثر تنوعًا، وهو ما جعل الاقتصاد التقليدي يتراجع أمام نظيره الرقمي.


القانون في مواجهة التوسع الرقمي

كما أوضح ابراهيم، أنه على الرغم من وجود قوانين مثل حماية المستهلك وحماية البيانات الشخصية والتجارة الإلكترونية، إلا أن الواقع يكشف عن فجوات كبيرة:

• بعض المنصات لا تفصح عن الرسوم الإضافية بشكل واضح، ما يضع المستهلك أمام مفاجآت غير متوقعة.

• عقود الاستخدام غالبًا ما تكون غير ملزمة أو غير واضحة، مما يسمح للشركات بتحميل المستهلك المسؤولية في حالات النزاع.

• لا توجد جهة رقابية موحدة، بل تتوزع المسؤوليات بين وزارة الاتصالات، جهاز حماية المستهلك، وهيئة تنمية التجارة الداخلية، وهو ما يخلق فراغًا تشريعيًا.

• الشركات الأجنبية التي تعمل داخل مصر عبر الإنترنت دون تسجيل رسمي تمثل تحديًا كبيرًا، حيث يصعب إخضاعها للرقابة أو إلزامها بالقوانين المحلية.


تأثير الاقتصاد الرقمي على السوق والعمالة

وأشار إلى أن الخدمات الرقمية أعادت رسم المنافسة بين الشركات، حيث أصبح التفوق مرتبطًا بالابتكار التقني وتجربة المستخدم.

• العمالة غير الرسمية: آلاف الشباب يعملون في خدمات التوصيل أو عبر منصات العمل الحر، لكنهم يفتقرون للتأمينات الاجتماعية والحقوق القانونية.

• الاقتصاد غير الرسمي: التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي توسعت بشكل كبير، حيث يعتمد آلاف البائعين على “فيسبوك” و”إنستجرام” لبيع منتجاتهم دون تسجيل رسمي أو دفع ضرائب.

• الاحتكار: هناك مخاوف من سيطرة منصات كبرى على السوق، مما يحد من المنافسة ويضع المستهلك أمام خيارات محدودة، رغم ذلك، الاقتصاد الرقمي حقق مكاسب مهمة مثل تقليل الاعتماد على الكاش، تسريع المعاملات، وخلق فرص عمل جديدة، وإن كانت غير منظمة بالكامل.


المستهلك بين سهولة الخدمة ومخاطر الاستخدام

قال متولي: المستهلك المصري يتمتع بسهولة غير مسبوقة في الحصول على الخدمات، لكنه يواجه تحديات مثل:
• تأخير الطلبات أو إلغاؤها دون تعويض.
• أسعار غير معلنة أو رسوم إضافية مفاجئة.
• سحب غير مبرر للأموال من المحافظ أو البطاقات.
• ضعف آليات الشكوى والتصعيد، حيث يجد المستهلك نفسه بلا جهة واضحة يلجأ إليها.
• حماية البيانات الشخصية ما زالت ضعيفة، وهناك قصص لمستخدمين تعرضوا لاختراق حساباتهم أو تسريب بياناتهم.

الضرائب والرقابة

أوضح ابراهيم أن الجانب المالي يمثل أحد أكبر التحديات:
• صعوبة تتبع أرباح الشركات التي تعمل من خارج مصر، مما يفتح الباب أمام التهرب الضريبي.
• الشركات الصغيرة الملتزمة بالقانون تجد نفسها في منافسة غير عادلة مع منصات كبرى لا تدفع الضرائب بشكل كامل.
• الحل يكمن في إلزام الشركات بتسجيل نشاطها محليًا، وربط منصات الدفع الإلكتروني بالجهات الضريبية لضمان الشفافية.

مستقبل الاقتصاد الرقمي في مصر

وتابع: التوقعات تشير إلى استمرار النمو، مدفوعًا بزيادة الاعتماد على الدفع الإلكتروني والتجارة عبر الإنترنت. لكن ضبط السوق يتطلب:
• تشريعات جديدة أكثر وضوحًا ومرونة.
• إنشاء هيئة تنظيم الاقتصاد الرقمي تكون مسؤولة عن الرقابة والتنسيق بين مختلف الجهات.
• تعزيز حماية المستهلك ورفع الثقافة الرقمية.
• ضمان الشفافية في الأسعار والخدمات، وتوفير آليات فعالة للشكاوى والتصعيد.

والجدير بالذكر أن الأرقام تؤكد أن الاقتصاد الرقمي في مصر أصبح قوة لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، فإن الفراغ التشريعي والرقابي يظل العقبة الأكبر أمام تحقيق التوازن بين توسيع السوق وحماية المستهلك، المعركة المقبلة ستكون بين سرعة التكنولوجيا وبطء التشريعات، وهي معركة ستحدد شكل الاقتصاد المصري في العقد القادم، وتضع المواطن في قلب المعادلة بين الفرص والمخاطر.

حجم وانتشار الاقتصاد الرقمي في مصر

ومن جهته، قال الدكتور محمد عبد الباسط، الخبير المالي، إن الاقتصاد المصري شهد في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة نحو الخدمات الرقمية، مدفوعًا بالانتشار الواسع للهواتف الذكية وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا في الحياة اليومية.

وأضاف أن الخدمات الرقمية في مصر حققت نموًا ملحوظًا خلال فترة زمنية قصيرة، حيث تضاعف عدد مستخدمي المحافظ الإلكترونية، وتطبيقات التوصيل، ومنصات التجارة الإلكترونية، لتصبح جزءًا أساسيًا من المعاملات اليومية لملايين المواطنين.

وتابع إن هذا التوسع شجع دخول شركات أجنبية كبرى إلى السوق المصري، مستفيدة من حجم الطلب وسهولة الوصول إلى العملاء، في حين خرج عدد من الشركات المحلية الصغيرة التي لم تتمكن من المنافسة من حيث التمويل أو التكنولوجيا أو الانتشار.

وأشار إلى أنه في الوقت نفسه، انتقل جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية من النمط التقليدي إلى الشكل الرقمي، سواء في البيع والشراء أو تقديم الخدمات، وهو انتقال ساهم فيه المجتمع نفسه، بحثًا عن السرعة، وتقليل التكلفة، وسهولة الحصول على الخدمة، بالإضافة إلى ظهور خدمات لم تكن متاحة من قبل.

تأثير الاقتصاد الرقمي على السوق والعمالة

ولفت الدكتور محمد إلى أن الخدمات الرقمية قد أعادت تشكيل المنافسة في السوق، حيث لم تعد الشركات تعتمد فقط على الأسعار، بل أصبحت تعتمد أيضًا على سرعة التنفيذ وسهولة الاستخدام وقوة المنصة الرقمية نفسها.

الدكتور محمد عبد الباسط الخبير المالي، فيتو 
الدكتور محمد عبد الباسط الخبير المالي، فيتو 

فيما يتعلق بالعمالة، ساهم الاقتصاد الرقمي في توسيع نطاق العمل غير الرسمي، خاصة في مجالات مثل توصيل الطلبات والعمل الحر، حيث يعمل آلاف الأفراد دون عقود واضحة أو تغطية تأمينية، مما يطرح تحديات اجتماعية واقتصادية في المستقبل.

كما أوضح أن السوق شهد توسعًا ملحوظًا في التجارة غير الرسمية عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي تعمل في كثير من الحالات خارج النظام الضريبي والرقابي. وهناك مخاوف كبيرة من احتمال احتكار السوق من قبل عدد قليل من المنصات الكبرى، مما قد يحد من المنافسة على المدى الطويل. 

ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل الفوائد الاقتصادية، مثل تقليل الاعتماد على المعاملات النقدية، وزيادة سرعة المعاملات، وخلق فرص عمل جديدة، رغم أنها قد تكون غير مستقرة في بعض الأحيان.

المستهلك بين سهولة الخدمة ومخاطر الاستخدام

وأشار الخبير المالي إلى أنه على الرغم من الإقبال الكبير على الخدمات الرقمية، إلا أن هناك تزايدًا في شكاوى بعض المستخدمين بشأن تأخير بعض الخدمات، أو عدم وضوح الأسعار، أو خصومات غير مبررة من المحافظ الرقمية، مع غياب قنوات واضحة للتصعيد أو استرداد الحقوق.

ومن أبرز المشكلات التي تواجه الخدمات الرقمية هي ضعف الثقافة الرقمية لدى شريحة واسعة من المستهلكين، مما يجعلهم أكثر عرضة للمخاطر والاحتيال.

مستقبل الاقتصاد الرقمي في مصر

قال إن التقديرات الاقتصادية تشير إلى أن الاقتصاد الرقمي في مصر مرشح لمزيد من النمو خلال السنوات القادمة، مدفوعًا بتوسع البنية التحتية الرقمية وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف القطاعات. 

ومع ذلك، فإن هذا النمو يعتمد على قدرة الدولة على تنظيم السوق من خلال تشريعات حديثة توازن بين تشجيع الاستثمار وحماية المستهلك.

كما تم اقتراح إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة للاقتصاد الرقمي، تتولى تنظيم عمل المنصات، وضمان المنافسة العادلة، وحماية البيانات، وحفظ حقوق المستخدمين والعاملين.

ومن الجدير بالذكر أنه يُقترح أيضًا تطوير آليات واضحة للتظلم، وتعزيز الشفافية في التسعير، وزيادة الوعي الرقمي لدى المواطنين، مما يسهم في تحسين العلاقة بين المواطن والمنصة وضمان استدامة هذا القطاع الحيوي.