فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

هزيمة مشروع السلفية السياسية.. انهيار حزب النور بعد السقوط المدوي في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ

انتخابات
انتخابات

رغم التعقيدات الكثيرة التي واكبت كواليس انتخابات مجلس النواب 2025، لكن بدا المشهد واضحًا للتيار السلفي في مصر وذراعه السياسي «حزب النور». القتال من أجل البقاء، لا من أجل العودة، فالحزب الذي صعد بقوة عاصفة بعد ثورة يناير، ونجح في وضع نفسه على خريطة القوى البرلمانية الكبرى عام 2012، لم يكن يتصور هذا التراجع الدرامي بعد ثورة 30 يونيو عام 2013 على جميع المستويات، والسؤال المطروح منذ سنوات: ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت بالسلفيين إلى انكماش يصل حد الإهانة، بالنظر إلى قواعدهم الكبيرة، التي أزعجت أجنحة كبرى داخل تيار الإسلام السياسي نفسه، وعلى راسه «الإخوان»

 

 «فيتو» تفتح الملف وتجيب عن الأسئلة الشائكة.

 

آخر نتائج حزب النور في انتخابات برلمان 2025

حاول حزب النور استعادة جزء من حضوره، خصوصًا داخل دوائر مثل البحيرة، وفي مراكز بعينها مثل أبو حمص وإدكو ودمنهور وإيتاي البارود، ومع ذلك أكدت تقارير المتابعة الصحفية والإعلامية أن قدرة السلفيين على الحشد لم تعد كما كانت، والكتلة السلفية التي كان يعتمد عليها فقدت الكثير من تماسكها وأهميتها داخل الشارع، وهذا التراجع لم يكن مفاجئًا بحسب الباحثين في شؤون الحركات الإسلامية، لكنه بات اليوم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، في ظل ما يسميه البعض «تحول المزاج العام» تجاه الخطاب الديني السياسي بشكليه الإخواني والسلفي على حد سواء.

من قمة البرلمان إلى هامشه.. عقد كامل من التآكل السياسي لـ «النور»

بعد انتخابات 2011–2012 توهج حزب النور بشكل مفاجئ، وأصبح أحد أكبر الكيانات السياسية صعودًا في المنطقة العربية، وبنسبة تجاوزت ٢٤٪ من المقاعد، تحول التيار السلفي لأول مرة إلى فاعل سياسي مؤثر، لكن هذا الصعود كان مؤقتا، حيث اعتمد على الحالة السياسية وقتها، وظروف سقوط نظام مبارك، وغياب البدائل، ووجود رغبة شعبية آنذاك في اختبار أي قوة سياسية تحمل صبغة دينية وهو المشروع الذي طالما صور للمصريين أنه يملك مفعول السحر وفقط يحتاج للفرصة. 

ومع صعود الإخوان والأداء الكارثي للجماعة في الحكم، ومن خلفها أغلب تيارات الإسلام السياسي التي تكتلت خلفها، جاءت ثورة  30 يونيو 2013 لتحسم المواجهة بين الدولة وتنظيم الإخوان، فاتخذ حزب النور موقفًا داعمًا لخارطة الطريق، وهو الموقف الذي كلفه غاليًا وسط قواعده خصوصا في ظل التشويه المستمر من جماعة الإخوان.

وفي مفاجأة كبرى، حقق حزب النور بانتخابات البرلمان بعد ثورة 30 يونيو نتائج مخزية، واتضح أنه فقد كثيرًا من تأثيره التنظيمي، وانكمش حضوره في المحافظات التي كانت تعد معاقل تقليدية له، واستمر الحال في انتخابات مجلسي الشيوخ والنوب عام 2020، ولم يستطع «النور» تعويض خسائره، وأصبح يملك تمثيلًا شكليًا عبر عدد محدود من المرشحين، وهي الحالة التي ستبقى متكررة لاحقًا في انتخابات 2025.

يفسر هذا التراجع سامح عيد، الخبير في الحركات الإسلامية مؤكدا أن استمرار فشل حزب النور منذ صعوده المفاجئ عقب يناير، يعبر بوضوح عن تغير المزاج العام في الشارع المصري، ويرى «عيد» أن الناخب المصري لم يعد يتجه للتيار السلفي، ولا يرى في حزب النور خيارًا سياسيًا، وهذا التحول لا يرتبط فقط بالسياسة، بل بطبيعة الوعي الاجتماعي الذي لم يعد منجذبًا لفكرة الإسلام السياسي.

ويضيف الباحث أن الحزب لجأ في الجولات النيابية بعد 2013 إلى المشاركة الجزئية في الانتخابات لتجنب إثارة حساسية الرأي العام تجاه وجود الأحزاب الدينية، إلى جانب صعوبة الدفع بعدد كبير من المرشحين على مستوى الجمهورية، فهذه المهمة «لم يعد يستطع القيام بها سوى احزاب الموالاة بتحالفاتها الواسعة». 

«النور» في انتخابات 2025.. حضور ضعيف وقواعد مفككة 

تكشف التقارير التي رصدت الحملات الانتخابية في دوائر البحيرة خلال الأسبوع الماضي حجم التحول داخل القاعدة الانتخابية السلفية، فحتى القرى التي كانت تمثل نقاط ثقل لحزب النور مثل «روضة خيري» لم تعد قادرة على منح الحزب نفس الزخم القديم، رغم الحضور الملفت لأنصار التيار السلفي في الساعات الأخيرة من يوم التصويت.

وبحسب ما رصد على الأرض، اعتمد «النور» على شبكات العلاقات القديمة داخل بعض القرى والنجوع، وتجاهل تجديد خطابه السياسي لبناء قواعد جديدة، لذلك لم يحدث الفارق المطلوب، ويرجع «سامح عيد» جانبًا كبيرًا من الانهيار الشعبي للحزب إلى حملة التشويه التي قادتها جماعة الإخوان ضد النور منذ 2013 ونجحت في ضرب صورة حزب النور وسط المتدينين، واتهموه بالخيانة، وهذا أثر بقوة على ظهيره الشعبي الأساسي.

ما يقوله «عيد» يضيف إليه عمرو فاروق، الباحث في شؤون الجماعات الدينية، ويؤكد أن التراجع الحاد في نتائج حزب النور ليس حالة منفصلة، بل جزء من انهيار أوسع لمشروع الإسلام السياسي، ويشدد «فاروق» على أن الشارع المصري فقد الثقة في الجماعات الدينية كلها، وفي ومشروعها السياسي، وقدرتها على تمثيل همومه أو فهم الواقع. 

ويوضح الباحثفي شئون الجماعات الدينية، أن فشل الإخوان في الحكم بين 2012 و2013 لم يسقط الجماعة وحدها، بل أضر معه صورة التيارات السلفية، لأن المواطن أصبح ينظر إليهم ككتلة واحدة، موضحًا أن قطاع كبير من الناس يرى أن السلفيين لا يبتعدون كثيرًا عن الإخوان، وكلاهما يقدم خطابًا يضر بالدولة، ويجرها إلى الهاوية.

ويضيف «فاروق» أن الانتخابات الأخيرة، ورغم انخفاض نسب الإقبال حملت مؤشرًا خطيرًا، إذ لم يتمكن حزب النور من المنافسة داخل دوائر كانت معاقل تاريخية للحركة السلفية، وهذا الانهيار داخل القواعد التقليدية، يعني أن الثقة الشعبية انقطعت حتى لدى المتعاطفين القدامى مع التيار السلفي. 

المشروع الإسلامي «مرفوض» 

ويتفق إبراهيم ربيع، الباحث في شؤون الجماعات الدينية مع هذا التحليل، مؤكدًا أن المصريين لم يعودوا راغبين في وجود التيار الإسلامي داخل السياسة، فالتجربة أثبتت أن الأحزاب الدينية لا تمتلك خبرة الحكم، وتعمل غالبًا لصالح قوى خارجية، على حساب مصالح الدولة، على حد قوله. 

ويرى «ربيع» أن العقد الأخير كشف تغيرًا حقيقيًا في المزاج العام، دفع المجتمع إلى رفض هذا النمط من الخطاب الديني المتسلط، بعدما أدرك الناس خطورة الزج بالدين في التجربة السياسية، مضيفًا أن الاختيارات مرة وراء مرة، أوضحت أن المصريين لا يناسبهم هذا المشروع، فالناس تريد حياة مستقرة، بدون صراعات دينية أو «لحى سياسية» على حد وصفه. 

مستقبل حزب النور

يبدو أن «النور» اليوم يواجه معضلة أكبر من مجرد ضعف انتخابي؛ فالحزب أصبح خارج السياق الذي كان يسمح له بالنمو، فمن ناحية الكتلة الدينية فقدت جاذبيتها، والقواعد السلفية القديمة تفككت، والمنافسة على الأرض تهيمن عليها أحزاب مدنية، ومن ناحية آخرى، المجتمع أصبح يتجه أكثر فأكثر نحو خطاب مدني واقعي، ولم يعد يثق في المغامرات الأيديولوجية للإسلاميين. 

ومع نتائج انتخابات 2025 والعدد المحدود من المقاعد الذي سيحصل عليه «النور» فإن الصورة العامة تشير بوضوح إلى أن الحزب فقد الكتلة الحرجة التي تضمن له الاستمرار كمؤثر داخل البرلمان، ومعركته الحالية ليست في استعادة حضوره، بل في تجنب الاختفاء الكامل !