"ذا جارديان": خطة ترامب في أوكرانيا صفقة قذرة تهدد مستقبل أوروبا نفسها
سلط الكاتب البريطاني تيموثي جارتون آش، الضوء على تحذيرات خطيرة بشأن صفقة محتملة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وروسيا قد تعصف بمستقبل أوكرانيا وأوروبا نفسها، محذرا من أن "ترامب مستعد للتضحية بأوكرانيا من أجل تحقيق صفقة قذرة مع موسكو".
وتيموثي جارتون آش مؤرخ وكاتب سياسي وكاتب عمود في صحيفة جريدة "ذا جارديان".
وقال جارتون في مقال رأي نشرته جريدة "ذا جارديان البريطانية": "تنص استراتيجية ترامب الجديدة للأمن القومي الأمريكي على تعزيز مقاومة المسار الحالي لأوروبا داخل الدول الأوروبية؛ فإلى أي مدى يحتاج قادة أوروبا مزيدا من الوضوح؟".
وأضاف: "سواء باستخدام الأصول الروسية المجمدة، أو زيادة الإنتاج الدفاعي، أو تعميق العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، فإن الأمر متروك لأوروبا لتأمين مستقبل أوكرانيا، ومستقبلنا؛ حيث يقع على عاتقنا نحن الأوروبيين مسؤولية تمكين أوكرانيا من النجاة من هجوم مسلح من موسكو وخيانة دبلوماسية من واشنطن. وبذلك، ندافع عن أنفسنا أيضا".
ترامب يتعامل مع روسيا وفق مسرحية "انتظار جودو"
يقول جارتون: "منذ عام، يقال لي إن ترامب سيُصبح في النهاية صارما مع روسيا. إنها النسخة الجيوسياسية من "انتظار جودو"، في إشارة إلى المسرحية التي كتبها الإيرلندي صمويل بيكيت، والتي تدور أحداثها حول رجلين يدعيان "فلاديمير" و"استراجون" ينتظران شخصا يدعى "جودو"، لكنه لا يصل أبدا!
من جهتهم، يقدم مبعوثو ترامب العقاريون الشخصيون "خطة سلام" من 28 نقطة، وهي عبارة عن صفقة إمبريالية وتجارية روسية-أمريكية على حساب كل من أوكرانيا وأوروبا، في وقت شن فيه الرئيس فلاديمير بوتين حربا شاملة على أوكرانيا لما يقرب من أربع سنوات، وهدد هذا الأسبوع بأن روسيا "مستعدة الآن" لحرب مع أوروبا إذا لزم الأمر.
وتستحق هذه الخطة المكونة من 28 نقطة الدراسة باعتبارها وثيقة تاريخية؛ حيث تكشف عزم الولايات المتحدة في عهد ترامب إلى العودة إلى سياسة الإمبراطوريات ومناطق النفوذ، حتى لو تطلب ذلك السير فوق رؤوس جميع الأوروبيين.
الدفاع الأوروبي يفرض نفسه على قمة الاتحاد الأوروبي
تطرح خطة ترامب نفسها بقوة خلال قمة قادة الاتحاد الأوروبي المقرر لها 18 ديسمبر الجاري؛ حيث سيكون عليهم البحث عن سبل لاستخدام الأصول الروسية المجمدة في بلجيكا، والتي من الممكن أن تسد الفجوة الهائلة في ميزانية أوكرانيا على الأقل خلال العامين المقبلين. وهناك أيضا قضية تزايد الإنتاج الدفاعي الأوروبي وما يتطلبه من توفير معدات عسكرية لا يستطيع أحد توفيرها سوى الولايات المتحدة، وهو أمر يتفق مع منطق ترامب الساعي إلى الربح والقائم على فكرة أن كل شيء متاح للشراء؛ وقد وافقت ألمانيا وبولندا وهولندا والنرويج وكندا مؤخرا على شراء أسلحة أمريكية إضافية بقيمة مليار دولار.
تحديد هوية المنتصر يحتاج إلى سنوات
ستواجه أوروبا حينها تحديا إضافيا؛ إذ إن الأمر لن يحسم هوية المنتصر في نفس اللحظة التي تسكت فيها المدافع، بل على مدى السنوات الخمس إلى العشر التالية. وإذا استطاعت موسكو في عام ٢٠٣٠، بالإضافة إلى احتلالها لأراضٍ أوكرانية تفوق مساحتها مساحة البرتغال وسلوفينيا مجتمعتين، أن تتفاخر سرا بأن بقية أوكرانيا غير آمنة، ومضطربة، ومنهكة، وخالية من السكان، وخاضعة لنفوذ روسي قوي، فستكون روسيا قد انتصرت.
أما إذا كانت معظم أوكرانيا في عام ٢٠٣٠ ذات سيادة، وآمنة، و"قنفذ فولاذي" قادر على ردع أي هجوم روسي مستقبلي، ولديها اقتصاد ديناميكي، يجذب الاستثمار الأجنبي، ويوفر وظائف جيدة للمحاربين القدامى، ويقنع الشباب الأوكراني بالعودة إلى الوطن من الخارج، فستكون أوكرانيا قد انتصرت.
فرنسا وألمانيا تواجهان تحديات كبيرة تبلغ حد التشاجر
ويمضي الكاتب قائلا: أوروبا قادرة على فعل ذلك، ولكن السؤال هو: هل ستفعل؟ يمكنني أن أقدم لكم قائمة طويلة من الأسباب التي قد تمنعها من ذلك، أولها أن أسطورة روسيا التي لا تقهر التي لا تزال سائدة، والثاني أن أوروبا ما تزال تعاني من العجز المكتسب بعد 80 عاما من الاعتماد على الولايات المتحدة في الحفاظ على أمنها، والثالث وجود دول أوروبية مثقلة بالديون ذات شيخوخة سكانية ولديها توقعات غير واقعية لما يمكن أن تقدمه هذه الدول؛ فعلى سبيل المثال، يعاني الائتلاف الحاكم في ألمانيا من الانزلاق نحو حافة الانهيار بسبب اقتراح تقليص متواضع لنظام معاشات الدولة الذي يلتهم بالفعل ربع الميزانية الفيدرالية، وتعاني بلجيكا من أنانية دفعت رئيس وزرائها لمقاومة الاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة، وتتشاجر فرنسا وألمانيا حول مشروع مشترك مفترض لطائرة مقاتلة من الجيل التالي. هل أحتاج إلى الاستمرار؟
ومع ذلك، في مقابل هذا التشاؤم الفكري، أضع تفاؤل الإرادة؛ حيث نعلم أن دولا منفردة قد حققت إنجازات استثنائية رغم كل الصعاب في لحظات الخطر الوجودي، مثل بريطانيا في عام ١٩٤٠، وأوكرانيا عام ٢٠٢٢.
ولكن هل ستنجح قارتنا المتنوعة والمعقدة والمتشككة في ذاتها في مواجهة هذا التحدي الكبير، وإن كان أقل حدة بكثير؟ أوروبا قادرة على ذلك إن شاءت.