القيمة السوقية انهارت بنحو تريليون دولار، كيف تحول الدعم السياسي إلى شتاء جديد للعملات الرقمية؟
شهد سوق العملات الرقمية واحدة من أعمق مراحله اضطرابا منذ ظهور البيتكوين قبل أكثر من عقد، حيث خسر القطاع قيمته بمقدار تريليون دولار خلال شهرين فقط، في موجة بيع طالت المستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء، وسط بيئة اقتصادية وسياسية بالغة التوتر.
ورغم الإجراءات الداعمة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثل تعيين مسؤولين مؤيدين للقطاع في الهيئات التنظيمية، والإعلان عن خطط لإنشاء احتياطي وطني للبيتكوين، فإن سعر البيتكوين تراجع بنحو 4% منذ بداية العام، متخلفًا عن مكاسب مؤشرات الأسهم الأمريكية التي قادها قطاع الذكاء الاصطناعي.
هروب غير مسبوق للمؤسسات
تميز هذا التراجع بمشاركة مؤسسية كبيرة في عمليات البيع، حيث شهدت الصناديق المتداولة المرتبطة بالأصول الرقمية سحبا قياسيا بلغ 3.5 مليار دولار في نوفمبر وحده، مما يعكس تحولا جوهريا في ثقة المستثمرين الكبار.
فرض تعريفات جمركية إضافية على الصين
كانت نقطة التحول الفعلية في 10 أكتوبر، عندما هز إعلان ترامب عن نيته فرض تعريفات جمركية إضافية على الصين ثقة الأسواق.
تسبب الذعر الناتج في انهيارٍ حادٍ، خسرت خلاله آلاف العملات الرقمية قرابة نصف قيمتها في ساعات، وتم تصفية مراكز استثمارية بمليارات الدولارات. وساهم الاعتماد الكبير على العقود الآجلة ذات الرافعة المالية العالية في تضخيم حدة الانهيار.
التكلفة المرتفعة للأموال المستثمرين
زادت التوقعات المحيطة بأسعار الفائدة الأمريكية من ضغوط البيع، حيث تدفع التكلفة المرتفعة للأموال المستثمرين للابتعاد عن الأصول ذات المخاطر العالية مثل العملات المشفرة.
في الوقت ذاته، برز ارتباط مقلق بين تحركات البيتكوين ومؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية، خاصة مؤشر ناسداك الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، مما يثير تساؤلات حول استقلالية السوق الرقمية وتأثيرها التضخيمي على الأسواق التقليدية.
مستقبل القطاع بين التشاؤم والتفاؤل
رغم المشهد القاتم، يحافظ بعض المستثمرين الكبار على تفاؤل حذر، مشيرين إلى اهتمام صناديق الثروة السيادية بالشراء عند المستويات الحالية.
كما يترقب السوق تشريعات تنظيمية مهمة قد تمنحه دعمًا جديدًا. ولكن في الخلفية، تظل مخاوف حول متانة العملات المستقرة مثل "تيثر" بعد تخفيض وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف ضماناتها، مما يعيد التساؤل عن قدرتها على لعب دور الملاذ الآمن أثناء العواصف السوقية.
يبدو أن قطاع العملات الرقمية، رغم النمو الهائل الذي شهده، لا يزال شديد الحساسية لتقلبات السياسة والاقتصاد الكلي، في اختبارٍ صعب لمدى نضجه وقدرته على تجاوز دورات الهبوط الحادة.