أستاذ القانون الدستوري صلاح فوزي لـ"فيتو": لا تملك سلطة في مصر إلغاء الانتخابات البرلمانية بشكل كامل.. الهيئة الوطنية بذلت مجهودًا كبيرًا.. ويجب العمل من الآن على تدارك الأخطاء
قال الدكتور صلاح الدين فوزى أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنصورة وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، إن المطالبات بإلغاء الانتخابات البرلمانية بشكل كامل، كلام يحتاج قدرًا من التوضيح، موضحًا أنه لا توجد سلطة يمكنها اصدار قرار بإلغاء الانتخابات بشكل كامل، وإنما هناك جهات مختصة بالإلغاء الجزئي بناءً على تظلمات وطعون.
وأضاف في حواره مع “فيتو” لا توجد أية تهديدات للمجلس المقبل من الناحية الدستورية، حيث لا يوجد ما يخالف الدستور في حزمة القوانين المتعلقة بالانتخابات، وإن التجربة أثبتت أن هناك بعض القصور في تلك القوانين، في نصوص أخرى.
وإلى نص الحوار:
• بالتزامن مع مشهد الانتخابات البرلمانية الحالية الذي شهد صدور قرار من الهيئة الوطنية للانتخابات بإلغاء انتخابات 19 دائرة، وكذلك صدور أحكام قضائية من المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الانتخابات في 30 دائرة انتخابية، يرى البعض ضرورة إلغاء الانتخابات بالكامل، فكيف ترى ذلك؟
أولًا، لابد من توضيح أسباب وطبيعة قرارات الإلغاء ومصدرها، فهي تكون نتيجة لتظلمات أو طعون يتم التقدم بها بشأن مخالفات بالعملية الانتخابية، والجهة الوحيدة التي تملك سلطة ذلك هي الهيئة الوطنية للانتخابات فيما يتعلق بفحص التظلمات، والمحكمة الإدارية العليا فيما يتعلق بفحص الطعون، مع التأكيد على أن الإلغاء يجب أن يستند إلى مخالفات موثقة، وليس مجرد مطالبات عامة.
ويجوز لكل من الهيئة الوطنية للانتخابات جراء فحص تظلمات، أو المحكمة الإدارية العليا جراء فحص طعون، أن تلغي انتخابات دائرة، أو اثنتين، أو ثلاثًا، أو عشرًا أو أكثر، إذا تأكدت من أن هناك فعلًا خروقات توجب إصدارها.
• وبما يسمى ذلك الإلغاء لبعض الدوائر في هذه الحالة؟
يسمى إلغاء جزئيا في هذه الحالة، ويمكن أن يزيد ليشمل كل الدوائر فلا مشكلة، ولكن بشرط أن يكون هناك أسباب صحيحة ومبرر لذلك.
• وماذا عن بعض المطالبات لإلغاء الانتخابات؟
الحقيقة أنا لا أستوعب ذلك الأمر؟ فمن الذي سيصدر قرارًا بالإلغاء؟ هل المحكمة الإدارية العليا، وهل سيكون ذلك من عندها دون أن تكون أمامها طعون وتصدر أحكامًا بشأنها؟ فلا يجوز ذلك، لأن المحكمة الإدارية العليا تصدر أحكام إلغاء الانتخابات بناءً على طعون بشأن مخالفات تمت في دوائر بعينها.
كذلك الأمر بالنسبة للهيئة الوطنية، هل تستطيع إلغاء الانتخابات بالكامل دون أن يكون أمامها تظلمات تقول إن كافة الدوائر بها مخالفات تم التأكد منها؟
أرى أن تلك المطالبات بإلغاء الانتخابات بشكل كامل، كلام يحتاج قدرًا أولًا من التوضيح.
• أتقصد أنه لا توجد سلطة تملك حقًا أو اختصاصًا يمكنها من إصدار قرار بإلغاء الانتخابات بشكل كامل؟
بالفعل.. فعندما نستطلع مواد الدستور ككل بكل مكوناته، سنجد أنه لا يوجد إلا جهتان يمكنهما إصدار قرار بإلغاء الانتخابات، وهما الهيئة الوطنية للانتخابات والمحكمة الإدارية العليا، فهما الجهتان اللتان تملكان ذلك الحق، ولكنه كما ذكرت بشكل جزئي نتيجة لتظلمات وطعون مرتبطة بوجود مخالفات يتم التأكد منها في دوائر بعينها، حتى وإن وصلت إلى كامل الدوائر، ولكنها ليست بقرار كلي لكامل العملية الانتخابية.
وفي النهاية أرى أنه لا فائدة من الإلغاء الكامل.
• لماذا ترى ذلك؟
فرضًا أن هناك قرارًا بالإلغاء الكامل، هل لن يكون هناك إعادة؟ بالتأكيد سيكون هناك إعادة للمشهد الانتخابي كله، بدءًا من فتح باب التقدم للترشح.
وهنا أرى سؤالًا مهمًا، وهو: حال صدور قرار بالإلغاء الكامل فرضًا، فهل لا يعد ذلك تعطيلًا لنص في الدستور، وهو النص الصريح الذي يقول: "تجرى الانتخابات خلال الستين يومًا السابقة على نهاية المجلس"؟
فحال إلغاء الانتخابات بالكامل وإعادتها من جديد، فسيكون هناك تعطيل لنص دستوري هام، فمن الذي يملك أن يعطل نصًا في الدستور؟
فأنا دائمًا مع احترام الدستور بكامل نصوصه، واحترام الدستور بمقدمته أو ديباجته التي تكون متضمنة لأحكام موضوعية.
• وما الذي تراه مناسبًا في هذا المشهد من الناحية الدستورية؟
ما أراه هو البناء على ما تم حتى الآن، والاستمرار في استكمال خطوات العملية الانتخابية التي بدأت، وشهدت إلغاء جزئيًا في عدد من الدوائر، نتيجة وجود مخالفات وخروقات فيها، ما يعني أن باقي الدوائر لم تشهد مخالفات أو خروقات، ما يمكن البناء عليه واستكمال العملية الانتخابية.
وهنا أثمّن على دور الهيئة الوطنية للانتخابات، حيث تبذل جهدًا كبيرًا في تلك الانتخابات.
• ارتباطًا بذلك المشهد، يرى البعض أن هناك تخوفات من عدم دستورية مجلس النواب القادم، وأنه سيكون مهددًا بالحل نتيجة توقعات بصدور حكم بعدم دستوريته.. فكيف ترى تلك النقطة؟
أولًا: الرقابة على الدستورية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا تنصب على اثنين: الأولى القوانين، والثانية اللوائح، ما يعني أن المحكمة الدستورية العليا لن تقول لنا: حلوا مجلس النواب.
هي لا تملك ذلك، إنما يمكنها ذلك في إطار قضية دستورية منظورة أمامها تتعلق بالمشهد الانتخابي، يكون بعدم دستورية قانون أو لائحة.
ثانيًا: المحكمة الدستورية العليا ليست محكمة متاحة أمام أي أحد يريد الذهاب إليها، حيث لابد أن يكون ذلك من خلال دعوى موضوعية أمام القضاء، وأحد الخصوم يدفع أمام المحكمة الموضوعية (محكمة الموضوع) بعدم دستورية نص أو نصوص في القوانين أو اللوائح. وتتحقق محكمة الموضوع من جدية الدفع، فتوقف نظر الدعوى وتسمح له برفع القضية الدستورية، فهذا طريق.
أما الطريق الثاني، وهو الإحالة من خلال محكمة الموضوع، حينما تتشكك في نص ما، فتحيل القضية للمحكمة الدستورية، وهنا تحكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون أو بدسترة قانون.
أما الطريق الثالث، فهو أن المحكمة الدستورية نفسها تتصدى وهي تمارس اختصاصها.
وبالتالي، لا يمكن أن نقول إننا سنذهب للمحكمة الدستورية العليا للمطالبة بحل مجلس النواب.
فهذا كلام بعيد تمامًا عن فكرة الرقابة على دستورية القوانين.
• في ظل المشهد الحالي، وفي ظل قوانين الانتخابات الحالية التي سبق وتم تشكيل مجلس نواب ومجلس شيوخ وفقًا لها قبل ذلك، وفي ظل المشهد الحالي والدعوات لإلغاء الانتخابات بسبب عدم صلاحية هذه القوانين باعتبارها هي السبب في المشهد الحالي بسبب القائمة المغلقة، فهل من وجهة نظرهم تتوقع أن يصدر حكم بعدم دستورية هذه القوانين حال الطعن عليها أمام المحكمة؟
أولًا: كل شيء مطروح أمام القضاء، ويمكن للمحكمة أن تحكم أو أنها ترفض الدعوى، هذا وارد.
إنما ما طرح بالسؤال يتضمن أمورًا متعددة، وجزء كبير منها عبارة عن ملاءمات سياسية في قوانين الانتخابات.
بمعنى، على سبيل المثال، هل من الأفضل إجراء تمثيل نسبي ولا قائمة بالأغلبية المطلقة (القائمة المغلقة)؟ الدستور أجاز هذا وأجاز ذاك.
• أتقصد أنه لا توجد شبهة عدم دستورية في تبني نظام القائمة المغلقة؟
بالطبع، هذه ملاءمات، ليس لها علاقة بمخالفة الدستور. الملاءمات هي خيارات قانونية، خيارات سياسية، وتوافق أغلبية برلمانية استقر عليها القانون.
فلدينا أربعة قوانين متعلقة بالانتخابات: قانون مباشرة الحقوق السياسية، قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، قانون مجلس النواب، قانون مجلس الشيوخ، فعندما نريد توصيلها للمحكمة الدستورية، فعلينا أن نحدد المادة التي في أي من القوانين الأربعة التي تخالف الدستور.
فالرقابة على الدستورية ليست مقصودًا بها أن تكون القوانين تطبيقًا مباشرًا لنصوص الدستور، وإنما المقصود بها ألا تكون القوانين قد خالفت نصًا في الدستور.
كما أن هناك أريحية عند المحكمة الدستورية، بمعنى أنها ليست مقيدة.
كما أن ذلك كله لابد أن يكون في إطار قانوني لرفع الدعوى.
• وماذا حال افترضنا وجود هذه الدعوى أمام المحكمة الدستورية بشأن نظر هذه المادة الخاصة بالقائمة، هل تتوقع صدور حكم بعدم دستوريتها؟
لا أتوقع ذلك، لأن المادة الخاصة بالقائمة في الدستور نصت على الأخذ بأي نظام انتخابي أو مختلط وبأي نسبة بينهم.
بالتالي لا يوجد ما يخالف الدستور.
فهي ملاءمات سياسية، حيث يمكن للقوى السياسية أن تقول: أنا عايز تمثيل نسبي، وآخرون يقولون: القائمة المغلقة بالأغلبية المطلقة.
إنما في كلتا الحالتين ما فيش مخالفة للدستور.
هذا رأيي، وفي النهاية لو طرحت الدعوى أمام المحكمة، فهي وشأنها في النهاية طبعًا.
حيث أرى أنه لا يوجد ما يخالف الدستور في حزمة القوانين المتعلقة بالانتخابات، وإن التجربة أثبتت أن في بعض القصور في تلك القوانين، في نصوص أخرى، مثل حالات التنازل التي تحدث في حالات المرشحين على المقاعد الفردية، فهي غير منصوص عليها بشكل واضح في قانون مجلس النواب، حيث ما تم النص عليه هو حالات التنازل في مرشحي القوائم فقط.
أيضًا قانون مجلس الشيوخ، أرى ضرورة تعديله فيما يتعلق بتحديد كل من الوكيل الأول والوكيل الثاني في حالة تساوي الأصوات، أسوة بما تم تعديله في قانون مجلس النواب.
فمثل هذه الحالات لا تعد مخالفات للدستور، وإنما توضيحًا للنصوص.
كما أن المحكمة الإدارية العليا نظرت مؤخرًا ما يقرب من ٢٠٠ طعن على الانتخابات، ورفضت نحو ١٠٠ طعن.
فهل لم يطلبوا الدفع بعدم دستورية قوانين الانتخابات؟
أتوقع بشكل كبير أن أعضاء المحكمة الإدارية العليا، حال تشككهم في مخالفة أي نص للدستورية، فكان سيتم إحالته للدستورية.
• أتقصد أن ما يتردد بشأن التهديدات حول عدم دستورية مجلس النواب القادم مجرد كلام في المطلق؟
بالفعل لا توجد أية تهديدات للمجلس المقبل من الناحية الدستورية.