عباقرة ولكن مجهولون، "ابن العوام الإشبيلي" عالم الزراعة والطب ومبتكر نظام الري بالتنقيط
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
بن العوام الإشبيلي عالم الزراعة
والطب والفلك ومبتكر الري بالتنقيط
كان أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوام الإشبيلي الأندلسي، عالما في النبات والحيوان والفلك والطب، من أشهر كتبه "كتاب الفلاحة".
ابن العوام الإشبيلي كان عالمًا أندلسيًا عربيًا ازدهر في إشبيلية في جنوب إسبانيا في أواخر القرن الثاني عشر.
ونجح ابن العوام في استنباط طرق عديدة يتم إنجاح ما يبكر بزراعته ومن أبرز هذه الطرق استعمال" المشارق المكنة" و"البيوت المكنة" التي ليست عند التأمل والتدقيق فيها إلا صورة سابقة للبيوت البلاستيكية اليوم.
وكان ابن العوام هو أول من ابتكر طريقة الري بالتنقيط التي بدا انتشارها حاليًا وبالأخص في منطقتنا العربية وذلك بغية توفير كمية مياه الري، وأطلق على هذه الطريقة اسم "طريقة الري بواسطة الجِرار"؛ وذلك لأنه استخدم في تطبيقها جرارًا فخارية صغيرة ثبتها داخل التربة بجانب جذوع الأشجار، بحيث تصل المياه للشجرة نقطة نقطة.
أعد دليلًا مطولًا في الزراعة يعد أحد أهم أعمال العصور الوسطى في هذا الموضوع بأي لغة. وتم نشره بالترجمات الإسبانية والفرنسية في القرن التاسع عشر.
حياته وعلمه
رغم نبوغ ابن العوام الإشبيلي في الزراعة والنبات بخاصة، فالمعلومات عنه قليلة.
هو أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوَّام الإشبيلي الأندلسي. وكل ما يعرف عنه أنه كان يعيش في إشبيلية في القرن السادس للهجرة. ولا يعرف تاريخ ميلاده ووفاته.
ودرس العلوم المنتشرة في عصره كالنبات، والحيوان، والطب، والفلك، والعلوم الزراعية القديمة.
كتب ابن العوام الإشبيلي مؤلفا قيمًّا مشهورًا في الزراعة الأندلسية، أسماه "الفلاحة الأندلسية" الذي تُرجم وطبع عدة مرات.
وكل ما هو معروف عن سيرة حياته يتم استخلاصه من كتابه.
من الواضح أن ابن العوام الإشبيلي قام بالكثير من التدريب العملي على التجربة وتجريب مجموعة واسعة من المحاصيل بنفسه.
وكان قد قرأ جيدا في الكتابات الزراعية من أسلافه. وفي الواقع يتم جمع كتابه في الغالب من كتابات المؤلفين الآخرين. ويستشهد بمعلومات من 112 مؤلفًا سابقًا مختلفًا.
وقد تم تحليل استشهاداته من المؤلفين السابقين مع النتائج التلخيصية التالية:
حوالي 1900 اقتباسات مباشرة وغير مباشرة على حد سواء، منها 615 للمؤلفين اليونانيين، 585 للمؤلفين من الشرق الأوسط العربي، الغالبية العظمى من كتاب الزراعة النبطية المنسوبة إلى ابن الوحيشية، و690 إلى المؤلفين الأندلسيين العرب (الغالبية العظمى لابن بصال، أبو الخير الأشبيلي أو ابن حجاج، كل ثلاثة كتب ما كتب عن الزراعة في في وقت لاحق من القرن الحادي عشر في جنوب أسبانيا، بقيت نسخ منها جزئية وغير كاملة فقط).
كما قام ابن العوام بتجميع مجموعة فرعية فقط من المؤلفين الذين يستشهد بهم: تحتوي هذه المجموعة الفرعية بدورها على جميع المواد الكاملة مجموعة من المؤلفين يستشهد به.
وقد كانت مصادره العربية الأكثر تأثيرًا هي المصادر الأندلسية العربية، والتي بدورها تعرف على مصادر غير الأندلسية المختلفة، بما في ذلك مصادر من العصور القديمة الكلاسيكية. فمثلا، كانت مصادره الأندلسية تقرأ الجيوبونيكا والزراعة النبطية.
كتاب "الفلاحة الأندلسية"
تم تجميع العمل في معظمه من كتاباتِ مؤلفين آخرين. وقد استشهد ابن العوام بمعلومات من 112 مؤلفًا سابقًا مختلفًا.
يضم كتاب ابن العوام إلى أربعة وثلاثين فصلًا. وقدم له بمقدمة طويلة مهمة ضمنها بعض الأحاديث النبوية الشريفة فيما يخص الزراعة والزرع، كما ذكر بعض الأقوال المأثورة والحكم التي تتعلق بالفلاحة في الأندلس.
تتناول الفصول الثلاثون الأولى المحاصيل، بينما تتناول الفصول الأربعة الأخيرة الثروة الحيوانية.
فيما تتناول الفصول الأربعة الأولى من الكتاب على التوالي أنواع التربة والأسمدة والري وتخطيط الحدائق.
وهناك خمسة فصول عن زراعة أشجار الفاكهة، بما في ذلك التطعيم والتقليم والزراعة بالعقل، وغيرها، ويتناول عشرات من أشجار الفاكهة المختلفة كل على حدة.
تتضمن الفصول اللاحقة الحرث، واختيار البذور، والمواسم ومهامها، وزراعة الحبوب، والنباتات البقولية، والحدائق الصغيرة، والنباتات العطرية، والنباتات الصناعية.
كما يتناول كتاب "الفلاحة الأندلسية" العديد من النباتات بشكل فردي وكيفية زراعتها. يُخصص فصل واحد لطرق حفظ وتخزين الأغذية بعد الحصاد، وهو موضوع يُطرح بين الحين والآخر في مواضع أخرى من الكتاب.
كما يُشير إلى أعراض العديد من أمراض الأشجار والكروم، وطرق علاجها.
وتتضمن الفصول المخصصة للثروة الحيوانية مناقشة أمراض وإصابات الخيول والماشية.
ويعتبر كتاب "الفلاحة الأندلسية" موسوعة زراعية تتجاوز الألف صفحة، وهو في الأساس تجميع لمؤلفات مؤلفين آخرين، وكان ابن العوام صريحا في الاستشهاد بآراء وتجارب علماء آخرين، وذكر أسماءهم، لكنه تجميع مُوجَّه ومُستنير بمعرفة ابن العوام الغنية والعملية للموضوع.
وقد صدرت نسخة من الكتاب عام 1802 متضمنة النص العربي مرفقًا بترجمة إسبانية، وفي عام 1864 نُشر بالفرنسية.