الحرب المجنونة
بدخولها العام الثالث، بات يقين أن الحرب الروسية–الأوكرانية ليست حربًا من أجل الاستيلاء على الأرض ولا تحديدًا جديدًا لمفهوم كلتا الدولتين لأمنها القومي، بات واضحًا أن الحرب مرت بعدة مراحل، وأكثرها انكشافًا هي أنها حرب التجربة والتعلم، تجربة أسلحة لم تكن معروفة من قبل، والتعلم فيما يمكن تطويره لتحقيق أهدافها بدقة أكثر.
لم تشر مصادر رسمية دقيقة إلى الأرقام الحقيقية لضحايا الحرب، فما تطلقه كييف يختلف تمامًا عن مصادر روسية تحدد أرقامًا أخرى، والتباين بين الأرقام يشي بأنه لا توجد جهة مستقلة يمكنها تحديد الأرقام بدقة، اليقين أن الأرقام مخيفة وقد تتعدى المليون ضحية بين قتيل وجريح.
المتابعة الدقيقة لمآلات الأمور تشير إلى محاولات كل فريق أن يكبد الآخر خسائر بشرية كبيرة، يبدو ذلك جليًا في استهداف المناطق المدنية والمؤسسات والمواقع التي يشكل فيها السكان المدنيون العدد الأكبر، فتلقى القنابل على المدن وعلى المصانع وعلى الشوارع والميادين.
المسيرات ودورها الجديد المرعب يشكل تحديًا جديدًا أمام مناطق العالم الساخنة، ويغير التكتيكات العسكرية وفق استخدام مخيف للتكنولوجيا، بات معملًا ومسرحًا عمليًا تتدارسه الدول الكبرى، بهدف الاستفادة القصوى من تجربة الغرب وأمريكا الداعمتين لأوكرانيا من جهة، وروسيا وفريق آخر من الدول الداعمة لموسكو من جهة ثانية.
ولعل ظهور القنابل الروسية التي أُطلق عليها القنابل الجوالة – فاب 500 وفاب 1500 – واحدة من الأسلحة الأكثر فتكًا ودقة في السنوات الأخيرة، حيث تُطلق من طائرات على بعد قد يصل إلى تسعين كيلومترًا بعيدًا عن الهدف، وتقوم وفق أجنحة لها ومنظومة تحكم عن بعد بالانتقال إلى الهدف المنشود.
ومن تكتيكات الحرب الجديدة ما أطلق عليه الروس تكتيك "الألف عضة"، وهو تكتيك يعتمد على إرسال فرق استطلاع صغيرة للبحث عن ثغرات في الخطوط الأوكرانية، تبعد أحيانًا حوالي 1000 متر عن بعضها، عند العثور على ثغرة، يُرسل المزيد من الجنود والطائرات المسيرة لاختراق الخط واستهداف مراكز القيادة ونقاط التحكم بالطائرات المسيرة.
ورغم محاولات التدخل الدولي لوقف الحرب، فإن الجانب الأوروبي المساند لأوكرانيا لا يزال يدعم استمرار الحرب، ولم يغير من موقفه إلا التدخل الأمريكي الواضح والحاسم، ولا تزال موسكو تتمسك بما أعلنته منذ البدايات.
وفي النهاية، فإن المعركة التي تقودها أطراف أبعد من موسكو وكييف، الخاسر فيها هو الإنسانية، التي تفقد يوميًا عشرات الضحايا الأبرياء، وتستنزف المعارك الدائرة على مدار الساعة مقدرات الشعوب، وتهدد الدول بما هو أكثر خطرًا.