في ذكرى مولدها، سيرة السيدة سكينة وألقابها وقصة مجيئها إلى مصر
يحتفل المصريون وأصحاب الطرق الصوفية بمولد السيدة سكينة رضي الله عنها وأرضاها، والسيدة سكينة هي بنت الحسين بن علي، وحفيدة الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء.
ولدت السيدة سكينة رضي الله عنها عام 49 هجرية (671م)، وشهدت حياتها أحداثا دراماتيكية، وأثير حول حياتها الكثير من الجدل.
وخلال السطور القادمة نستعرض معكم بعضا من سيرة السيدة سكينة وألقابها وقصة مجيئها إلى مصر وزيجاتها:
نسب السيدة سكينة
سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أُمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي الكلبي. كان أبوها مسيحيًا وأسلم على يد عمر، وخطب ابنته للحسين، وولدت له سكينة وعبد الله. ومات والدها الحسين بن علي شهيدا في كربلاء وعمرها حينها 14 عامًا.
وكان الإمام الحسين رضي الله عنها يحبها بشدة هي وأمها حتى قال في ذلك شعرًا: فروي عنه أنه قال فيهما:
لعمرك إنني لأحب دارًا ** تكون بها سكينة والرباب
أُحبهما وأنفق جُلَّ مالي ** وليس لعاتِبٍ عندي عتاب
ألقاب السيدة سكينة
أطلق عليها اسم السيدة "آمنة" بنت الحسين، وسميت بهذا الاسم تيمنًا لجدتها أم الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن أمها أطلقت عليها سكينة، فاسمها بضم السين يعنى الفتاة المرحة خفيفة الروح، وبفتحها يعنى الوداعة والطمأنينة، كما أطلق عليها المصريون زهرة الروضة المحمدية، لفرط محبتهم لآل البيت.
أزواج السيدة سكينة
كانت السيدة سكينة من أجمل جميلات عصرها وكانت بديعة الجمال، شهمة مهيبة، تزوجت من ابن عمها عبد الله بن الحسن بن علي، فقتل مع أبيها قبل الدخول بها، ثم تزوجها مصعب بن الزبير أمير العراق، ثم تزوجت بغير واحد وقيل إنه خطبها عبد الملك بن مروان، فلم تقبله، وتزوجها عبد الله بن حكيم بن عثمان بن حزام، ومات فخطبها الأصبغ بين الزبير بن مروان، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان وطلقها، وتزوجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أي أنها تزوجت ست مرات وطلقت مرتين.
أولاد السيدة سكينة
أنجبت رضي الله عنها من مصعب بن الزبير بن العوام، بنتا أسمتها باسم جدتها "بضعة النبي" فاطمة الزهراء، وبعد مقتله تزوجت عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حكيم، ورزقت منه بأولادها: عثمان وحكيم ورُبيّحة.
قصة مجيئ السيدة سكينة إلى مصر
ذكر الإمام الرائد محمد زكي الدين إبراهيم في كتابه "مراقد أهل البيت في القاهرة" أنها جاءت إلى مصر وخطبها الأصْبَغ بن عبدالعزيز بن مروان أمير مصر، كما ذكره (ابن خَلِّكَانَ)، وكانت قد عادت من الحجاز الذي ذهبت إليه بعدما أدخلت مصر مع عمتها السيدة زينب،.
وكان من سياسة الأمويين بعد مقتل الحسين محاولة التخفيف من وقع الحادث عند الناس، بالتقرب إلى أهل البيت بالزواج منهم، وإسناد بعض الإمارات والمناصب إلى من يأمنونه منهم.
وبينما سكينة في طريقها إلى مصر، إذ بلغها شناعة بغي الأصبغ وجوره وفجوره، فأقسمت ألَّا تكون له زوجة أبدًا، واستجاب الله لها، فما إن وصلت مصر حتى مات الأصبغ قبل أن يراها.
وهكذا انتقلت من "منية الأصبغ" إلى دارها التي بقيت بها إلى أن ماتت، وفي الثلث الأخير من حياتها كان أكثر اهتمامها تعليم المسلمين، حيث شربت من بيت النبوة أفضل الأخلاق فوُصِفَتْ بالكرم والجود، وأحبت سماع الشعر فكان لها فى ميادين العلم والفقه والمعرفة والأدب شأن كبير.
فقد كانت سكينة صاحبة أول صالون أدبى ثقافى نسائى فى تاريخ الإسلام، كان يجتمع فيه أمراء الشعر فى زمنها، فى مكانة جرير والفرزدق وجميل وكُثير ونصيب، كانوا يقولون الشعر وينتظرون حكمها، وكانت سكينة تمتلك ناصية اللغة وأسرار البلاغة ومفاتيح البيان، كما أنها نفسها كانت شاعرة مجيدة رغم قلة أشعارها، ولذلك كان الشعراء الكبار يحسبون حسابا لرأيها وملاحظاتها، ويحتكمون لها فى منافساتهم على إمارة الشعر، والراجح أنها كانت تحضر صالونها من وراء حجاب، وكان لها وصيفة ترسلها لتبلغ عنها رأيها فيما تسمع.
ثم أصبحت هذه الدار لها مشهدًا ومسجدًا إلى اليوم، وأشار علي باشا مبارك في خططه إلى مقامها فقال: "إنه أقيم في مصر بحي الخليفة عن شمال الزاهد إلى القرافة الصغرى، وكانت في بدايته زاوية صغيرة، ثم ألحق بالضريح مسجد أقامه الأمير عبدالرحمن كتخدا سنة 1173هـ (1760م)، وعمل على الضريح مقصورة من النحاس سنة 1266هـ، ثم أمر الخديو عباس حلمي الثاني بتجديده سنة 1322هـ، وأصبح له ثلاثة أبواب غير الميضأة، اثنان على الشارع والثالث الباب الذي في الجهة القبلية ويفتح على درب الأكراد، هذا المسجد يشتمل على 6 أعمدة من الرخام ومنبر من الخشب النقي، والضريح مجلل بالبهاء والنور عليه تابوت من الخشب من داخل مقصورة كبيرة من النحاس الأصفر متقن الصنع من إنشاء المرحوم عباس باشا، ثم جددته وزارة الأوقاف المصرية".
تضارب الروايات حول مكان وفاة السيدة سكينة
تضاربت الروايات حول مكان وفاتها، فقد قيل إنها توفيت بمكة يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة ست وعشرين ومائة وصلى عليها شيبة بن نصاح المقرئ، وقال ابن خلكان: توفيت سنة سبع عشرة ومائة وكانت وفاتها بالمدينة.
وقال عبد الرحمن الأجهوري في كتابه (مشارق الأنوار): والأكثرون على أن سكينة بنت الحسين ماتت بالمدينة، بينما ذكر الإمام عبد الوهاب الشعراني، “أن السيدة سكينة مدفونة في مصر، بالقرب من السيدة نفيسة”.
وذكر الحسن بن زولاق، رائد المؤرخين المصريين في العصور الوسطى، أن أول من دخل مصر من ولد على، سكينة بنت الحسين، والتي حملت إلى الأصبع بن عبد العزيز بن مروان ليدخل بها لكنه مات قبل أن يراها، فخرجت إلى المدينة المنورة، لتعود إلى مصر مرة أخرى مع عمتها السيدة زينب، وعقب وفاتها دفنت في بيتها الذي تحول إلى مقام ومسجد صغير وتوفيت عن عمر 71 عاما.