فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

السد الإثيوبي ومراكز البيانات والبحث عن الكهرباء الرخيصة!

السد الإثيوبي العدائي على النيل الأزرق أصبح محل جدل كبير، بعد أن أخفق المشروع في تحقيق الهدف المعلن عنه بإنتاج الكهرباء للشعب الأثيوبي القابع في الظلام منذ عقود، وسط غموض يكتنف تفاصيل تشغيل توربينات السد.. 

 

لكن الواقع يكشف أن أديس أبابا أخفقت في تحقيق أي نتائج اقتصادية إيجابية من وراء السد ماعدا استغلال القليل من الكهرباء المولدة منه حتى الأن لصالح مراكز تعدين البيتكوين الصينية، وهو ما يبرر توجهات بيكين نحو دعم مشروع السد على مدار سنوات سابقة.. 

خاصة مع ارتفاع تكلفة استهلاك مراكز بيانات تعدين البيتكوين للكهرباء والمياه أيضا لزوم التبريد، فضلا عن الآثر البيئي الخطير للنفايات الإلكترونية الناتجه عن مراكز البيانات.

 

وبالتأكيد فإن السد الاثيوبي بوضعه الحالي كجدار أسمنتي صامت ينتج كميات بسيطة من الكهرباء وما يحتجزه من مياه، هو حاضنة مناسبة لمراكز بيانات البيتكوين ومراكز بيانات الذكاء الإصطناعي أيضا، والأخيرة تبحث الولايات المتحدة الآن عن حاضنات آمنة ورخيصة لها.

 

الكاتب العراقي وليد خدوري أشار في مقال بصحيفة الشرق الأوسط إلى بحث هام صادر عن مركز بروكينجز في واشنطن، كشف أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي استهلكت عام 2023 حوالي 4.4٪ من انتاج الولايات المتحدة من الكهرباء..

 

ووفقا لمختبر لورانس بيركلي الوطني الأمريكي، فمن المتوقع أن ينمو هذا الاستهلاك إلى 21٪ من الطاقة الكهربائية التي تنتجها  الولايات المتحدة بحلول عام 2030، وهو ما دفع بعض شركات الذكاء الاصطناعي للسعى نحو الاعتماد على الكهرباء النووية بإعادة تشغيل عدد من المحطات التي خرجت من الخدمة قبل سنوات مثل محطة -ثرى مايل آيلاند- المتوقفة منذ سنوات لاستعمال الكهرباء الناتجة عنها بحلول 2028 من جانب شركة مايكروسوفت.

 

هذا التوجه يلقي بظلاله على الاتفاقات الأمريكية السعودية الأخيرة بخصوص استضافة المملكة لمراكز بيانات الذكاء الإصطناعي على أراضيها، نظرا لامتلاك الرياض وفرة كبيرة في مصادر الطاقة التي تؤهلها لتصبح أحد الملاذات  المناسبة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي باهظة التكلفة اقتصاديا وبيئيا ومائياً أيضاً 

والجانب الأخير مهم جدا خاصة بعد أن اصدرت جمعية الأمم المتحدة للبيئة تقريرًا كشف عن أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تستهلك كميات كبيرة من المياه أثناء بنائها، وبعد تشغيلها، لتبريد المكونات الكهربائية، وقد تستهلك البنية التحتية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قريبا ستة أضعاف ما تستهلكه الدنمارك، وهي دولة يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، وهذه مشكلة حقيقية في وقت يفتقر فيه ربع البشرية بالفعل إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي.


الاستهلاك المرعب لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي من المياه وما تنتجه من نفايات إلكترونية خطرة بيئيا، يفتح ملفا هاما، وهو احتمالات تسليع إثيوبيا لمياه النيل لصالح استضافة هذا البيزنس العالمي الجديد، الذي يبحث عن الكهرباء الرخيصة والوفرة في المياه، وقد يتحول سدها  العدائي إلى منطقة حرة تستضيف مراكز البيانات العملاقة كما استضافت مراكز تعدين البيتكوين الصينية، وهو ما سيمثل وقتها مرحلة جديدة من الاعتداء الحبشي على الحقوق التاريخية المصرية والسودانية في مياه النيل.

خاصة مع السعي الإثيوبي المستمر منذ عقود في سلب مصر حقوقها المائية، وتحريك دول حوض نهر النيل ضد مصر والسودان من خلال اتفاقية عنتيبي، المسماة زورًا بالاتفاقية الإطارية لتعاون دول حوض النيل، وهي في جوهرها مجرد عمل عدائي ضد مفهوم التعاون برمته وضد مصالح مصر المباشرة في حوض نهر النيل.. 

وهو سلوك معتاد تنتهجه أديس أبابا وقوى عالمية وإقليمية تحاول على مدار قرون أضعاف مصر من ناحية الجنوب، والتاريخ يسجل محاولات كثيرة سعت خلالها كل قوى الاستعمار القديم والحديث لحرمان مصر من حقوقها المائية بأي طريقة كانت، حتى لو بتحويل مجرى النيل الازرق ليصب في البحر الأحمر كما فكر أحد القادة البرتغاليين قبل 6 قرون خلال الصراع البرتغالي - المملوكي على حكم طرق التجارة في البحر المتوسط، ورغبة بحارة البرتغال في الاجهاز على المماليك من خلال إخضاع مصر بمنع مياه النيل عنها.