من خواطر الشعراوي، إمام الدعاة يتحدث عن موت الغفلة (فيديو)
تحدث الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره عن سورة مريم، عن موت الغفلة، مشيرا إلى الوقت الذي يقضي الله فيه على الموت ليكون الخلود الأبدي.
سورة مريم الآية 39
قال تعالى: «وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ».

تفسير الشيخ الشعراوي للآية 39 من سورة مريم
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي: قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة} [مريم: 39]، الإنذار: هو التحذير من شر قادم. والحسرة: هي الندم البالغ الذي يصيب النفس الإنسانية حينما يفوتها خير لا يمكن تداركه، وحينما تلقى شيئًا لا تستطيع دفعه أما الندم فيكون حزنًا على خير فاتَكَ، لكن يمكن تداركه، كالتلميذ الذي يخفق في امتحان شهر من الشهور فيندم، لكنه يمكنه تدارك هذا الإخفاق في الشهر التالي، أما إذا أخفق في امتحان آخر العام فإنه يندم ندمًا شديدًا، ويتحسَّر على عام فات لا يمكن تداركُ الخسارة فيه.
حسرة الكافرين يوم القيامة
وأوضح الشيخ الشعراوي: لذلك سيقول الكفار يوم القيامة: {ياحسرتنا على مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام: 31]، والمعنى: يا حسرتنا تعالَىْ فهذا أوانك، واحضري فقد فاتتْ الفرصة إلى غير رجعة. إذن: فيوم الحسرة هو يوم القيامة، حيث لن يعود أحدٌ ليتدارك ما فاته من الخير في الدنيا، وليتَ العقول تعي هذه الحقيقة، وتعمل لها وهي ما تزال في سَعَة الدنيا.
وتابع الشعراوي: ومعنى: {إِذْ قُضِيَ الأمر} [مريم: 39]، أي: وقع وحدث، ولا يمكن تلافيه، ولم يَعُدْ هناك مجال لتدارُكِ ما فات؛ لأن الذي قضى هذا الأمر وحكم به هو الله تبارك وتعالى الذي لا يملك أحدٌ ردَّ أمرِه أو تأخيره عن موعده أو مناقشته فيه، فسبحانه، الأمر أمره، والقضاء قضاؤه، ولا إله إلا هو. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله حينما يُدخل أهلَ الجنةِ الجنةَ، ويُدخِل أهلَ النارِ النار يأتي بالموت على هيئة كبش، فيقول للمؤمنين: أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم هو الموت جاءنا وعرفناه، ويقول للكفار: أتعرفون هذا؟ يقولون: عرفناه، فيميت الله الموت ويقول لأهل الجنة: خلود بلا موت. ولأهل النار: خلود بلا موت».
حين يموت الموت
وأردف: وهكذا قضى اللهُ الأمرَ ليقطع الأمل على الكفار الذين قد يظنُّون أن الموت سيأتي ليُخرجهم مما هُمْ فيه من العذاب ويريحهم، فقطع الله عليهم هذا الأمل وآيسهم منه، حيث جاء بالموت مُشخّصًا وذبحه أمامهم، فلا موتَ بعد الآن فقد مات الموت. لذلك يخبر عنهم الحق تبارك وتعالى: {وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77].
وأكمل: ثم يقول تعالى: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39]، الغفلة: أن يصرف الإنسان ذِهْنه عن الفكر في شيء واضح الدليل على صحته؛ لأن الحق تبارك وتعالى ما كان لِيُعذّب خَلْقه إلا وقد أظهر لهم الأدلة التي يستقبلها العقل الطبيعي فيؤمن بها. فالذي لا يؤمن إذن: إما غافل عن هذه الأدلة أو متغافل عنها أو جاحد لها، كما قال سبحانه: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14].
موت الغفلة
وأشار إلى أنه من الغفلة غفلتهم عن الموت، وقد قالوا: من مات قامت قيامته، ومن حكمة الله أنْ أبهم الموت، أبهمه وقتًا، وأبهمه سببًا، وأبهمه مكانًا، فكان إبهام الموت هو عَيْن البيان للموت؛ لأن إبهامه يجعل الإنسان على استعداد للقائه في أيّ وقت، وبأيّ سبب، وفي أيّ مكان، فالموت يأتي غفلة؛ لأنه لا يتوقف على وقت أو سبب أو مكان. فالطفل يموت وهو في بطن أمه، ويموت بعد يوم، أو أيام من ولادته، ويموت بعد مائة عام، ويموت بسبب وبدون سبب، وقد نتعجَّب من موت أحدنا فجأة دون سبب ظاهر، فلم تصدمه سيارة، ولم يقع عليه جدار أو حجر، ولم يداهمه مرض، فما السبب؟ السبب هو الموت، إنه سيموت، أي أنه مات لأنه يموت، كما يقال: والموت من دون أسباب هو السبب.