حكاية إبراهيم باشا وحافظ الأسد مع جامع يلبغا بدمشق
برغم أن جامع يلبغا اختفى من دمشق بعد أن كان من أعظم المساجد فيها بعد الجامع الأموي، إلا أن لجامع يلبغا حكاية مع إبراهيم باشا المصري والرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، كما أن له قصة مع الأمير يلبغا الذي دخل دمشق أميرًا، وخلّف فيها مسجدًا وقبة مشهورة، فجامع يلبغا كان يقع خارج حدود سور مدينة دمشق القديمة في منطقة تعرف قديمًا باسم "تحت القلعة" وتحديدًا في ساحة المرجة حاليًا.
وخلال السطور التالية، نستعرض معكم حكاية إبراهيم باشا وحافظ الأسد مع جامع يلبغا.

قصة بناء جامع يلبغا
أنشئ الجامع على تلّ كانت يومها في طرف البلد يشنق عليه المجرمون وسمّي المسجد بجامع يَلْبُغَا نسبة إلى والي الشام الأمير المملوكي (سيف الدين يَلْبُغَا) الذي أنشأه على أطراف المدينة، ويُعدّ الجامع من أشهر جوامع دمشق، وهو أحد الجوامع الكبرى التي بُنيت على نسق الجامع الأموي خارج سور المدينة كجامع الحنابلة وجامع التوبة وجامع تنكز.
ويقع المسجد في ساحة المرجة بدمشق، بالقرب من شارع الثورة، ويبعد عن مبنى “المحافظة” قرابة 150 مترًا، وتحيط به عدد من الحمامات والأبنية التاريخية هدمت مع تهديم المسجد القديم، كان آخرها هدم سوق القرماني التاريخي في 2006، وتحويله إلى حديقة.
كما يقع مقابل المجمع المستشارية الثقافية الإيرانية التي تأسست في سوريا عام 1980، واتخذتها طهران مركزًا لنشر التشيع والثقافة الإيرانية.
من هو الأمير يَلْبُغَا؟
كان الأمير (سيف الدين يَلْبُغَا اليحياوي الناصري) قد عُين نائبًا عن الشام ولما عاد إلى دمشق بغير قتال، ولا تختلف سيرته عن سِيَر بقية المماليك، فما كاد يتسلم إمارة دمشق حتّى بدأ بتقليب الأمراء على السلطان. لكن المفارقة أنه بعد يومين من دخوله دمشق، أمر بقطع أيدي وأرجل ثلاثة عشر رجلًا بلغه تكرار وقوع الجنايات منهم.
وقدعَمّر يلبغا " قبة " عند موضع خيمته عند مسجد القدم سماها (قبة مصر أو النصر) التي كانت تعرف (بقبة يلبغا) لكنها أزيلت، وبني موضعها سقف على المسجد.. فعل ذلك الأمير محمد بن منجك، وكان سبب ذلك أن الناس كانوا يظنوها قبة يلبغا وأن الزاوية له، وأما قبة يلبغا فإنها غربيها، ولعل صوابه شرقيها.
وكانت فترة ولاية الأمير سيف الدين يلبغا شبه مستقلة عن القاهرة، لذلك فإن مسجده كان ضخمًا جدًا ليعبّر عن الطريقة التي يفكر بها الأمير في منافسة حكم السلطان الملك المظفر في القاهرة، وقد تعطل العمل في بناء الجامع بعد مقتله، ثم سار الأمر ببطءٍ شديد واكتمل البناء بعد عشر سنوات... كما هو حاله الآن في القرن الحادي والعشرين ؟؟ !!
وبرز أخيرًا كمسجدٍ جامع، وحضر افتتاحه عددًا كبير من الأمراء الذين شاركوا أصلًا في قتل الأمير سيف الدين يلبغا اليحاوي، وقد كان في غاية الحسن، لما حفل به من المحاريب والنوافذ المقرنصة والزخارف المحفورة، والشرفات والنوافذ الزجاجية الملونة، بأسلوب المعشّق، فضلًا عن المئذنة والأبواب حتى بدا وكأنه نسخة مصغّرة عن الجامع الأموي بدمشق.

أبواب جامع يلبغا
كان لجامع يلبغا ثلاثة مداخل جميلة جدًا، مدخل شمالي، وآخر شرقي، وثالث غربي ضمن سور حرم الجامع حيث المدخل المملوكي للمسجد الذي ظل محافظًا على شكله الأساسي متماسكا وقويًا طوال قرون خلت.
الباب الشرقي يطل على جوزة الحدباء أمام السوق العتيق، ويسمى سابقًا (باب الحلق) كما ورد عند أبي البقاء بن محمد البدري.
والباب الغربي يطل على جادة البحصة، وكان يٌنحدر منه في درج إلى أول الوادي ويمسى باب المنزه.والباب الشمالي مغلق تحت المئذنة. وكان يخرج منه إلى الميضأ ويسمى سابقًا (باب الفرج).
وللأبواب الثلاثة زخارف ومقرنصات حسنة، ولكن الباب الرئيسي هو الشرقي، والى جانب الباب الأيمن شباكان يطلان على الصحن والى الجانب الأيسر اثنان يطلان على القبلية، وقد جعل أحدهما بويبًا يدخل من الى القبلية.
وفي أطراف الصحن الثلاثة غرف أخذت من الجامع وجعلت مدرسة ابتدائية، وفصل بين الجامع والمدرسة بحائط شوه صحن الجامع، وعزل المنارة عنه، وهي منارة مربعة من حجر لطيفة الصنعة.
حكاية إبراهيم باشا وحافظ الأسد مع جامع يلبغا
ومن أهم ذكريات هذا المسجد ما قام به إبراهيم باشا المصري أثناء حملته على سورية إذ حوله إلى مصنع للبسكويت. ويبدو الأمر اليوم مضحكًا لكن عصرنة الدولة كما فهمها إبراهيم باشا اقتضت منه تحويل هذا المبنى الأثري المهم إلى مصنع، وكان لذلك أثره في الفن المعماري الموجود في المسجد. لكن خروج إبراهيم باشا أدى إلى إعادة تجديده.
وفي العصر الحديث وخلال أول عهد الرئيس حافظ الأسد اتخذ قرارا بهدم المسجد بهدف الترميم، ونقلت واجهاته الحجرية الأثرية إلى متحف دمشق، على أمل إعادتها بعد انتهاء المشروع، وقيل إن أسبابًا مذهبية تكمن وراء إيقاف المشروع، فالمسجد كان مقصدًا للعلماء والطلاب، ومركزًا للعلم في دمشق، كما كان مركزًا دعويًا لشيخ الإسلام ابن تيمية.