فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

إدارة التوحش بين داعش والدعم السريع!

سألني أحد مقدمي البرامج الحوارية في إحدى القنوات الفضائية العربية، عن تفسيري لما ظهر في عدد من الفيديوهات عقب دخول مقاتلي مليشيا الدعم السريع لمدينة الفاشر من أنهم يتلذذون بقتل المدنيين العُزل بينما يكبرون الله!

قلت له، إن ذلك يعود إلى طبيعة الحرب التي يخوضها جيش السودان وشعبه، فهي ليست حربًا ضد الجيش يريد مشعلوها أن يجبروه على القبول بشروطهم السياسية، وليست حرب تمرد يرفع أصحابها مطالب في السلطة والثروة وغيرهما، وقد جرب السودان مثل هذه الحروب منذ ما قبل استقلاله في 1956.. 

وإنما هي حرب عدوان على شعب السودان، يريد مخططوها أن يجبروه على ترك أرضه ودياره، والهجرة والنزوح عنهما، وإحلال آخرين من داخل السودان وخارجه بديلًا عنهم، وهي بهذا الوصف حرب عدوان واستيطان.  

 

وأشرت إلى أنه منذ أول يوم للحرب الحالية، مارس منسوبو الدعم السريع العنف المفرط والقتل والاغتصاب والاختطاف والإخفاء القسري، في حق المدنيين في ولاية الخرطوم، ثم في ولايات وسط السودان، قبل أن يطوروا أساليبهم لممارسة القتل الجماعي والتصفية العرقية في غرب دارفور(الجنينة) وفي ولاية الجزيرة (ود النورة )..

وأن ذلك تسبب في أكبر أزمة نزوح ولجوء شهدها العالم، إذ بلغ عدد النازحين واللاجئين ثلاثة عشر مليون وفق إحصاءات منظمات الأمم المتحدة.

 

ونوهت إلى أن هذا التوحش كان مقصودًا في حد ذاته، بهدف إخافة الناس وبث الرعب بينهم حتى يفروا من وجه مقاتلي مليشيا الدعم السريع، بلا قتال، ويُخلوا منازلهم ويتركوا وراءهم مدخراتهم وسياراتهم لتصبح غنائم يتقاسمها الغزاة الجدد.. 

الذين مارسوا السبي والاستعباد الجنسي في حق الآلاف من النساء والفتيات، وأن هذا الذي أقوله وثقته تقارير الصحافة العالمية والمنظمات الحقوقية الدولية، ومراكز البحث والاستقصاء في عدد من الجامعات الأمريكية.

 

عقب المقابلة عدت بالذاكرة إلى أيام حرب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) وتذكرت صورة الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي أسرته داعش في العام 2014 ووضعته داخل قفص حديدي وأحرقته وبثت صور فعلتها تلك على وسائل التواصل الإجتماعي، وتذكرت كذلك صور الرؤوس التي يتم قطعها عن بقية الجسد بواسطة الدواعش، وكيف أن ذلك كله يكون مصحوبًا بالتكبير!

 

وقتها، فهمنا أن هنالك إستراتيجية كاملة لدى داعش تسمى بـ إدارة التوحش يفترضون أنه من خلال ممارستها ونشرها على وسائل التواصل الإجتماعي يجبرون الناس على الفرار من وجههم، ويبثون الرعب وسط مَن يتصدون لهم حتى يفكروا أكثر من مرة قبل ملاقاتهم.

  

والحقيقة أن وجه الشبه بين السلوك الداعشي أيام سطوة "تنظيم الدولة" وبين سلوك مقاتلي مليشيا الدعم السريع في السودان، يكاد يتطابق، فكلاهما لا يتورع من ارتكاب الفظائع وممارسة القتل والسلب باسم العدالة، وكلاهما يستحل أرواح المدنيين باسم إحقاق الحق، ويستحل أموالهم ونساءهم، باسم الغنائم والسبي!

 

هذه الطبيعية الغريبة للحرب التي تدور في السودان، منذ أبريل 2023، هي ما جعل العالم غير مدرك لطبيعتها وحقيقتها، فهي تارة عنده صراع على السلطة بين جنرالين، وتارة حرب بين طرفين الجيش والدعم السريع وثالثة حرب ضد الفلول من منسوبي النظام السابق ذي الهوية الإسلامية، في حين أن حقيقتها لا تمت إلى كل ذلك بصلة إلا في قشورها، وقد كشفت أفعال الدعم السريع في الفاشر ما حاول العالم التغاضي عنه، لما يفوق الثلاثين شهرًا!

 

لقد ظل العالم طيلة ثلاثين شهرًا أسيرًا لروايات خادعة ومشوشة لما يدور في السودان، وذلك بسبب أن جانبًا من هذه الحرب، لم يتم تسلط ضوء كافٍ عليه، يرعاه طرف يخطط ويمول ويدير حملة الخداع هذه، وهو دولة الإمارات العربية المتحدة. 

وفي إطار حملة الخداع الإعلامية والدبلوماسية التي تديرها، لم تكتف الإمارات بمحاولة تثبيت سردية معينة للحرب ورسم صورة مشرقة لحلفائها العسكريين والمدنيين، وإنما عمدت أيضًا لتشويه صورة الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، والقوى المدنية التي تسانده، وأسبلت عليهم من الوصف من قاموسها المُعد سلفًا لهذا الغرض ما لا ينطبق إلاّ على حلفائها، وكأنها بذلك تجسد مقولة "رمتني بدائها وانسلت!

 

على العالم الآن، عربية وأعجمية، أن يدرك أنه إنما يتغاضى عن شر مستطير في السودان إسمه الدعم السريع، وأن الحل الوحيد لمحاصرة هذا الشر، هو تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، وتجريدها من السلاح ومحاكمة قادتها بجرائم التطهير العرقي وجرائم الحرب، وإدانة رعاتها ومموليها.. 

وإقامة معسكرات لمنسوبيها، مثلما فعل العالم للدواعش فخصص لهم مخيم الهول في سوريا، وذلك ريثما تتم إعادة كل مرتزق أتى ليحارب في السودان إلى بلاده، وحتى يتم البت في أمر السودانيين الذين انخرطوا في صفوف المليشيا، وإلاّ فإن هذا السرطان لن يتوقف عند حدود السودان، وسيتمدد في الجسد الأفريقي.