سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل في شهر جمادى الآخرة
شهد شهر جمادى الآخرة أحداثا هامة عبر التاريخ، لعل أهمها وأبرزها هو ميلاد فاطمة الزهراء بنت رسول الله وأم الحسن والحسين، وسرية زيد بن حارثة إلى القردة وكذلك إلي حسمى، خاصة وأن شهر جمادى الآخرة هو الشهر السادس (6) من السنة الهجرية 1447، وهو الشهر الذي يلي جمادى الأولى.
وفي هذا الإطار نستعرض معكم سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل:

لماذا يقال جمادى الأولى وجمادى الآخرة؟
قال الإمام الفراء: الشهور العربية كلها مذكَّرة، تقول: هذا شهر كذا، إلا (جماديين) فإنهما مؤنثان؛ لذلك لا يقال الأول والثاني إلا علي الشهر، وأما جمادى الآخِرة فسُمِّي بذلك لأنَّ تسميته جاءَتْ في الشتاء أيضًا؛ فلزمه ذلك الاسم، ويُقال فيه: "جمادى الآخِرة"، ولا يُقال: "جمادى الثانية"؛ لأنَّ الثانية تُوحِي بوجود ثالثة، بينما يُوجَد جُماديان فقط.
سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل
في جمادى الآخرة من سنة ثمان للهجرة النبوية كانت سرية عمرو بن العاص، رضي الله عنه، إلى ذات السلاسل، وحاصل هذه السرية أن عيون المدينة جاءت بما يفيد أن بعض قبائل الأعراب - وخاصة قضاعة - تستعد للحشد ضد المسلمين، فجهز الرسول عليه الصلاة والسلام، سرية قوامها 300 رجل، وأمّر عليها عمرو بن العاص، وأمره بالانطلاق إليهم ليوجه لهم ضربة استباقية، إن هم لم يتراجعوا عن نيتهم، كما أن من أهداف السرية أيضا، تأديبَ بعض قبائل الأعراب التي شاركت في معركة مؤتة إلى جانب هرقل، وكانت السرية بعد واقعة مؤتة بنحو شهر، وكذلك من أهداف السرية أيضا دعوةُ هذه القبائل إلى الإسلام، وعقد المعاهدات مع بعضها.

انطلقت السرية إلى حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يسيرون ليلا ويكمنون نهارا، كما هو عادة السرايا آن ذاك، فلما كانوا ببعض الطريق علموا أن الأعداء يستعدون للقائهم في جموع كثيرة لا قبل لهم بها، فأرسل عمرو بن العاص رافع بن مُكَيث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلبه المدد، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح يقود 200 من خيرة أصحابه صلى الله عليه وسلم، ومن ضمنهم أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وغيرهما من أفاضل الصحابة، ثم أمر الرسول أبا عبيدة بأن لا يختلف مع عمرو، وبعد أن وصل المدد.
وبلغت السرية 500 رجل، تقدم بهم عمرو إلى أن دخلوا أرض العدو فهاجموهم فجرا، وقد رام الأعداء مقاومة السرية أولا، إلا أنهم سرعان ما ولوا هاربين وتفرقوا، عندما علموا أن لا طاقة لهم بالتصدي لهذه السرية، وقد حقق عمرو وأصحابه انتصارا باهرا، إذ أسلم على أيديهم خلق كثير، كما ردوا إلى الإسلام هيبته في تلك المنطقة، وأرجعوا القبائل التي كانت حالفت المسلمين سابقا إلى التحالف معهم من جديد، بعد أن نكلت، وعقدوا تحالفاتٍ جديدةً مع قبائلَ أخرى، كما غنموا غنائمَ كثيرة.
وكان أبو عبيدة رضي الله عنه، لما قدم بالمدد على عمرو، هم بأن يؤم الجند في الصلاة، لكن عمرا اعترض على ذلك، قائلا: "إنما قدمت عليّ مددًا، وأنا الأمير" وكان أبو عبيدة يرى أن كليهما أمير على من بعثه النبي صلي وسلم معه، ولكنه تذكر وصية الرسول بأن لا يختلفا، فترك الإمامة لعمرو، وقال" إنك إن عصيتني أطعتك".