فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

مي عبد الرحمن تكتب: استهلاك أم إفلاس، نجيب محفوظ شخصية معرض القاهرة للكتاب للمرة الثالثة!

الأديب نجيب محفوظ
الأديب نجيب محفوظ

أعلنت اللجنة الاستشارية العليا لـ معرض القاهرة الدولي للكتاب اختيار الأديب نجيب محفوظ شخصية دورة المعرض الـ57، بمناسبة مرور عشرين عامًا على رحيله، فعلى الورق يحمل الاختيار دلالات الوفاء والتكريم المستحق لأحد الرموز الأدبية التي لن تتكرر، لأنه احتفاء بأحد أعمدة الأدب المصري والعربي، فأديب نوبل ترك رصيدًا لا يزول من النصوص والمواقف.

ولكن وراء هذا الاختيار انعكاس لحالة الإفلاس في الرؤية الثقافية الرسمية، بالهروب إلى الرموز الآمنة تاريخيًّا كالقول السائد في العامية “سكِّن تسلم”.  

نجيب محفوظ رمزٌ أدبي لن يتكرر 

فنجيب محفوظ  بلا شك، أيقونة الأدب العربي، وصاحب التجربة الأعمق في تتبع التحولات الاجتماعية والسياسية لمصر في القرن العشرين، فمن لا يعرف “الثلاثية” أو سمع عن “أولاد حارتنا” التي شكلت الواقعية الاجتماعية في الأدب العربي، لتتجاوز أعماله حدود المحلية، وتصبح وثيقة إنسانية مفتوحة على العالم، فكان أول عربي ينال جائزة نوبل للأدب عام 1988.

نجيب محفوظ هذا الرمز غير المتكرر، لم يغفله معرض القاهرة الدولي للكتاب على مدار تاريخه، حيث تم اختياره كشخصية للمعرض والاحتفاء به أكثر من دورة، بداية من معرض يناير 1989، حيث اختير الشخصية المحورية لندوات معرض الكتاب، وذلك بعد حصوله على جائزة نوبل في أكتوبر 1988، وهو ما ذكرته مجلة المعرض فى أحد أعدادها في مقال بعنوان “معرض القاهرة الدولي للكتاب.. 28 عامًا من العطاء الثقافي والفكري”.

وذكرت سطور المقال: “... وكان لفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عام 1988 أثرها على معرض القاهرة للكتاب في دورته الحادية والعشرين، حيث تم تخصيص المحور الأساسي للمعرض حول شخصية العام الأدبية نجيب محفوظ وحول أدبه وفكره على كافة مستويات الإبداع، كما اشتملت الأنشطة الثقافية على 6 ندوات حول نجيب محفوظ وأدبه، وبلغ عدد الدول المشاركة في المعرض 52 دولة و1800 ناشر بزيادة قدرها 100 ناشر عن المعرض السابق”..

وبلغت كمية الكتب المعروضة 13 مليون كتاب بزيادة قدرها 500،0000 كتاب عن المعرض السابق، وقد وافق ميعاد معرض القاهرة للكتاب الثاني والعشرين أي معرض عام 1990 مرور “مائة عام من التنوير” أو ما يعرف بـ عصر النهضة المصرية وتمت مناقشة تيارات القرن الفكرية، وما يجري في العالم الاشتراكي، الفنون والآداب، ماذا فعلت بضمير العصر؟ الثقافة والتعددية الحزبية، متغيرات الثقافة والعلوم في قرن، وأخيرًا أصداء التنوير في العالم العربي، كما حل ضيفًا على اللقاءات الفكرية لهذه الدورة الأديب الفرنسي كلود سيمون الحائز على جائزة نوبل 1985. 

وبعد ذلك بفترة تم الاحتفاء بأديب نوبل نجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله في التسعينيات، ولم يكن في ذلك الوقت ما يسمى بـ “شخصية المعرض”.   

ناصر الأنصاري وشخصية معرض القاهرة للكتاب 

وفي العدد التذكاري لمجلة معرض القاهرة للكتاب للاحتفاء باليوبيل الذهبي، وتحت عنوان “خمسون عامًا من الثقافة والإبداع.. رحلة معرض القاهرة للكتاب عبر نصف قرن” وبقلم نجلاء فتحي، قالت: “في عام 2006 كان الدكتور ناصر الأنصاري رئيس هيئة الكتاب وقتها، أول من فكر في اختيار دولة لتكون ضيف شرف للمعرض، وكانت ألمانيا أول دولة ضيف شرف، وفي السنوات التالية حلت إيطاليا والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا الاتحادية، والصين وتونس وليبيا والكويت والمملكة العربية السعودية، والبحرين والمغرب والجزائر، وهذا العام في اليوبيل الذهبي جامعة الدول العربية ضيف شرف المعرض”. 

وأضافت المجلة أنه “فى عهد الدكتور ناصر الأنصاري أيضًا وفي عام 2007 استحدثت سنة جديدة وهي اختيار شخصية المعرض والتي تم اختيارها على مدار السنوات هي نجيب محفوظ وسهير القلماوي وطه حسين ومحمد عبده وجمال الغيطاني وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي”.  

ومنذ ما يقرب من عامين، اختير نجيب محفوظ شخصية محورية في الدورة الثالثة والثلاثين لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في عام 2024، نظرًا إلى مكانته الأدبية الكبيرة وتأثير أعماله في الأدب والثقافة العربية، حيث تم تخصيص جناح في المعرض لعرض أبرز إنجازات محفوظ وتأثيره الأدبي والإنساني، وهو الجناح الذي شارك فيه عدد من المثقفين المصريين وكانوا شاهدين عليه. 

صنع الله إبراهيم ورحيل نجيب محفوظ

المدهش في إعلان اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أنها اختارت نجيب محفوظ أديب نوبل كشخصية الدورة الـ 57، بمناسبة مرور 20 عامًا على رحيله، فما دلالة رقم “20؟!” فلا يعبر عن ربع القرن ولا نصفه!

ألا يستحق اسم الروائي الكبير صنع الله إبراهيم الذي غيبه الموت في أغسطس الماضي، أن يكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو صاحب تجربة سردية متفردة أيضًا، حيث مثل على مدى نصف قرن ضمير الرواية المصرية النقدية وارتبط اسمه بالجرأة في التعبير عن الواقع السياسي والاجتماعي. 

إن طرح اسم صنع الله إبراهيم هو مجرد مثال، فهناك العشرات من أسماء كبار الأدباء المصريين الذين يستحقون الاحتفاء بهم، وهو الأمر الذي لا ينتقص من مكانة نجيب محفوظ، بل يذكر بأن الثقافة الحية لا تعيش على الماضي وحده، وأن إعادة التوازن بين الرموز هي الخطوة الأولى نحو استعادة حيوية المشهد الثقافي المصري. 

 ومع ذلك، فإن اختيار أديب نوبل المتكرر كشخصية للمعرض – بعد أن سبق الاحتفاء به في أكثر من دورة – يفتح الباب لتأمل طبيعة الرؤية الثقافية الرسمية.