فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

عباقرة ولكن مجهولون، جابان الكردي "نشر الإسلام في كردستان"

جابان الكردي أبو
جابان الكردي "أبو ميمون"، فيتو

على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.


لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد.
في هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.

 


جابان الكردي "نشر الإسلام في كردستان"

هو جابان "أبو ميمون".. صحابي جليل، وابنه تابعي صالح، من كردستان، شمال العراق.. أسلم والتقى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عنه أحاديث نادرة، اشتهر منها واحد فقط. 
يقال إنه كان وراء انتشار الإسلام في بلاد كردستان، فكان فضله عظيما.

من هو؟

شحيحة هي المعلومات التي تواترت عن الصحابي الجليل جابان الكري "أبو ميمون"، ومن بين المصادر القليلة التي تحدثت عنه "أسد الغابة" لابن الأثير، و"تجريد أسماء الصحابة" للحافظ الذهبي، حيث ذكرت الكتب أنه سمع من سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، حديثًا يفيد أن أيّ رجل تزوّج امرأة وهو ينوي ألا يعطيها الصداق لقي الله عز وجل وهو زانٍ. 
أما في "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حَجَر العَسْقلاني، فجاء الخبر عنه كالتالي: "جابان والد ميمون: روى ابن مَنْـده، من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم، عن أبي خالد: سمعت ميمون بن جابان الصردي، عن أبيه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، حتى بلغ عشرًا، يقول: من تزوّج امرأة وهو ينوي ألا يعطيها الصداق، لقي الله وهو زانٍ".
واسم "صرد" غريب.

من مدينة "سرت" شمال كردستان

البعض يرجح أنها مدينة سِرت الكردية في شمال كردستان، فقد ورد ذكره في كتاب "أسد الغابة" لابن الأثير، باسم جابان الكوردي أبو ميمون الصردي، ولا نعرف مدينة كوردية تحمل هذا الإسم لا في التاريخ ولا في الحاضر، ولذلك ربما تم استبدال حرف السين بحرف الصاد عن طريق الخطأ، فأصبحت أبو ميمون الصردي بدل أبو ميمون السِرتي.


والأرجح أن جابان الصردي هو والد ميمون الكردي، لأن همذان تقع في إقليم الجبال، وهي من بلاد الكرد.

وأوضح كتاب "خلاصة تاريخ الكرد وكردستان" للمؤرخ محمد أمين زكي، نقلًا عن العلامة الآلوسي في تفسيره الشهير "روح المعاني" أن جابان كردي، وروى حديثًا نبويًا أو أكثر يدور حول النكاح.


من هنا يتبين أن جابان كردي، باعتبار أن المصادر نصّت على كردية ابنه ميمون، ومن المحال أن يكون الابن كرديًا ويكون الأب من قومية أخرى.


وكان جابان من الصحابة الأجلاء، فقد لقي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، وروى عنه، وكان الرجل شديد الورع، لدرجة أنه لم يقبل على رواية الأحاديث عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، مخافة الزيادة أو النقص. والمعروف أن قلة من الصحابة كانوا يحجمون عن رواية الأحاديث خشية السقوط في خلل عند الرواية، وأن بعض سهام النقد وُجّهت، في صدر الإسلام، إلى أبي هريرة، لأنه كان يكثر من رواية الأحاديث.

تساؤلات غامضة

ولكن هناك تساؤلات لا تجيب عنها المصادر وكتب التراث، ومنها: أين كان جابان يقيم تحديدًا؟ هل كان من سكان مكة، أم من سكان يثرب، أم من سكان الطائف؟! ما الذي جعل جابان ينتقل من بلاد الكرد في الشمال الشرقي إلى الحجاز في أعماق بلاد العرب؟!

وربما كان جابان من المقيمين في مكة، فهاجر إلى المدينة المنورة بعد إسلامه مع من هاجر من المسلمين؛ والمعروف أن جاليات من الفرس والروم والصابئة والأحباش كانت تقيم في مكة، لأغراض تجارية أو تبشيرية أو سياسية، هذا إضافة إلى عدد كبير من الأرقّاء والموالي المختلفي الجنسيات، وقد يكون جابان أحد أفراد تلك الجاليات، أو أحد أولئك الأرقاء؛ على أن نأخذ بالاعتبار أن الكرد كانوا حينذاك معدودين في التبعية الفارسية سياسيًا وثقافيًا.
ولعل جابان كان مقيمًا أصلًا في مدينة يثرب (المدينة المنوّرة)، وهناك التقى الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بعد الهجرة.

ولعله كان من الجاليات الأعجمية (غير العربية) المقيمة في الطائف، وسمع بظهور الدعوة الإسلامية، فالتحق بها في مكة أو في المدينة المنوّرة.
وربما يكون جابان ممن وقعوا في الأسر خلال الحروب الفارسية – البيزنطية الكثيرة، ثم بيع في أسواق النخاسة، وانتقل خلال ذلك من بلد إلى آخر، وانتهى به الأمر إلى مكة أو الطائف أو يثرب أو غيرها من المراكز التجارية، ولا ننسى أن مكة ويثرب كانتا مركزين تجاريين هامين بين العراق والشام وبين اليمن (بوّابة العرب على إفريقيا وجنوب آسيا).

أو قد يكون جابان من العاملين في التجارة حينذاك، وكان يتولّى بعض الشؤون التجارية في مكة أو المدينة أو الطائف، أو غيرها، شأنه في ذلك شأن كثير من الفرس والروم والأحباش وغيرهم، وسمع بالدعوة الإسلامية، فانضم إلى صفوفها.
وقد يكون جابان من الكرد الناقمين على الحكم الساساني الفارسي، واللاجئين إلى شبه الجزيرة العربية، هربًا بنفسه من البطش الساساني. 


وقد يكون من المثقفين والمتنوّرين الذين كانت الدولة الساسانية توفدهم إلى المراكز الحضرية العربية، بغرض التبشير للثقافة الفارسية وللدين الزردشتي؛ العقيدة التي كانت تتخذها الدولة الساسانية دينًا رسميًا.
وكان التجار الكرد في تلك الفترة يتوافدون على الشام من مختلف الأقاليم الكردية كغيرهم من التجار من أجل بيع بضائعهم.
وكان التجار العرب أيضًا يتوافدون إلى الشام بقوافلهم وكانوا يلتقون هناك بتجار آخرين من جنسيات وأقوام أخرى.


وكان تجار العرب يشترون الألبسة الكوردية آنذاك ومن ثم يبيعونها في مكة والمدينة وبقية مناطق الحجاز.


كان هناك احتكاك مباشر بين الكرد والعرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلال التجار.

مع الرسول

وفي خضم هذا التبادل التجاري بين العرب والكرد في الشام، نعتقد أن تجار العرب نقلوا إلى تجار الكرد خبر بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فنقل تجار الكرد بدورهم هذه الأخبار إلى مدنهم في الأقاليم الكوردية في كردستان، فذاع خبر بعثة النبي عليه الصلاة والسلام بين أبناء الشعب الكردي، فقذف الله نور الإيمان في قلب جابان الكردي فساقه ذاك النور الرباني إلى المدينة المنورة في الحجاز، ليلتقي بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويعتنق الإسلام ويصاحبه مدة زمنية ويلتزمه فيها، فتعلم فيها اللغة العربية أيضًا ونقل عنه بعض الأحاديث الشريفة.

ومهما يكن فإن جابان لم يكن حديث عهد بالإقامة في الحجاز، فقد أجاد اللغة العربية، حتى أنه كان يفهم بدقة ما يسمعه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان قادرًا على توصيله إلى الآخرين بدقة وبلسان عربي فصيح.

ومن بين ما اجتمعت عليه المصادر أن الجزء الأطول من صحبة جابان لسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، كان بعد الهجرة، فالأحاديث التي رواها تتعلق بقضايا التشريع التي تنظّم شؤون المجتمع، والمشهور أن النبي كان منشغلًا في مكة (قبل الهجرة) بأمور الدعوة، ثم انصرف بعد الهجرة إلى تبيان القضايا التشريعية التنظيمية وترسيخها.

العودة

وبعد انتقال رسول الله إلى بارئه، قرر الصحابي جابان الكردي العودة إلى دياره في كردستان، ومن المرجح أن الصحابي جابان قد دعا الكرد آنذاك في منطقته إلى اعتناق دين الإسلام.

وكان طبيعيا أن يؤمن العديد من الكرد ويعتنقون الإسلام طواعيةً على يديه، حتى توفي ولقي الله، رحمه الله ورضي عنه.