عباقرة ولكن مجهولون.. عثمان بن أبي العاص "أنقذ قبيلة ثقيف من الردة"
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد.
في هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
عثمان بن أبي العاص "أنقذ قبيلة ثقيف من الردة"
صحابي جليل، أسلم في سن صغيرة، وكانت له فتوحات معتبرة، ومع ذلك فقد أهملته كتب التاريخ، وتجاهله المؤرخون، ومن أهم أعماله الجليلة إنقاذه قبيلة ثقيف من الردة، بعد أن كادت تخرج عن الإسلام.
من هو عثمان بن العاص؟
هو أبو عبد الله عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد بن دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن سيار بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف الثقفي، صحابي من أهل الطائف.
قدم، مع وفد ثقيف، على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن عمره يتجاوز سبعا وعشرين عاما، وهو أصغرهم فأسلم.
ثم استعمله رسول الله على الطائف، واستمر عليها طوال حياة رسول الله وأثناء خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وسنتين من خلافة عمر.
ثم عزله عمر، وعاد فولاه سنة خمس عشرة على عمان والبحرين.
فتوحاته وجهاده
وبناء على توجيهات أمير المؤمنين، توجه إلى عمان ووجه أخاه الحكم بن أبي العاص إلى البحرين، وسار هو إلى توج ففتحها ومصرها، وقتل ملكها "شهرك"، وذلك سنة إحدى وعشرين.
واستمر في البحرين إلى أن تولى الخلافة عثمان بن عفان، فعزله، فسكن البصرة حتى وفاته.
كانت له فتوحات وغزوات بالهند وفارس، وفي البصرة موضع يقال له "شط عثمان" نسبة إليه، وهو الذي منع ثقيفا عن الردة، حين خطبهم فقال: "يا معشر ثقيف كنتم آخر الناس إسلامًا فلا تكونوا أولهم ارتدادا".
يقال إنه كان ذا مال كثير الصدقة والصلة، يختار العزلة والخلوة سكن البصرة، وإليه ينسب سوق عثمان، داره دار البيضاء، وله بالبصرة غير دار.
وعنه قال ابن سعد: قدم في وفد ثقيف فأسلموا وقاضاهم على القضية، وكان عثمان أصغرهم، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلهم فأسلم وأقرأه قرآنًا، ولزم أبي بن كعب، فكان يقرأ.
فلما أراد الوفد الانصراف قالوا: يا رسول الله، أمِّر علينا، فأمر عليهم عثمان وقال: "إنه كيس، وقد أخذ من القرآن صدرا"، فقالوا: لا نغير أميرًا أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم معهم الطائف فكان يصلي بهم ويؤمهم.
مع عمر بن الخطاب
فلما كان زمن عمر وخط البصرة، أراد أن يستعمل عليها رجلا له عقل وقوام وكفاية، فقيل له: عليك بعثمان بن أبي العاص، فقال: ذاك أمير أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما كنت لأنزعه، فقالوا له: اكتب إليه يستخلف على الطائف، ويُقبل إليك قال: أما هذا فنعم، وكتب إليه بذلك واستخلف أخاه الحكم على الطائف.
وأقبل إلى عمر فوجهه إلى البصرة فابتنى بها دارا واستخرج منها شط عثمان، الذي ينسب إليه بحذاء الأبله وأرضها، وبقي ولده بها إلى اليوم وشرفوا، وكثرت غلاتهم وأموالهم ولهم عدد كثير وبقية حسنة".
وعندما تولى أمر المسلمين عمر بن الخطاب كان الإسلام قد استقر تماما في هذه الأقطار، فأمر عمر، عثمان بن أبي العاص الثقفي، رضي الله عنهما، أن يكون واليه على الخليج العربي، وفي صفحات التاريخ الإسلامي للوطن نقرأ اخبارًا موجزة عن هذا القائد الإسلامي على أرض الإمارات، فهناك إشارة تاريخية تقول: إن عثمان بن أبي العاص كان في عمان، وهو الأغلب في مدينة (دبا) عندما تسلّم أمر الخليفة بتشكيل ألوية الجيش بأسماء المدن والمناطق الفارسية التي كانت تشكل أهدافًا عسكرية يجب فتحها.
وكان عثمان بن أبي العاص هو عامل الرسول بعد فتح مكة، فلما همت ثقيف بالردة قام عثمان، وقال: يا أبناء ثقيف كنتم آخر من أسلم فلا تكونوا أول من ارتد.
وفي خلافة الصديق كان عثمان يقود جيشا إسلاميا في منطقة (الرهاء) علاوة على واجبه في الطائف، فلما آلت الخلافة إلى عمر عينه واليا على الخليج العربي.
وقد اختلف المؤرخون في السنة التي تولى فيها الحكم، كما اختلفوا في مكان العاصمة التي اتخذها مقرا له.
ولكنه كان قد اتخذ من أخيه الحكم بن أبي العاص نائبا له، فكان إذا سار إلى البحرين وجلس فيها مدة يحكم بين الناس. بعث أخاه الحكم إلى عمان وبالعكس.
ويروى عن عثمان أنه قطع البحر إلى فارس فنزل فوج ففتحها، وبنى بها المساجد وجعلها دارا للمسلمي، وأسكنها عبد القيس وغيرهم فكان يغير منها على أرجان، وهي متاخمة لها.
ويبدو أن عثمان بن أبي العاص في طريقه إلى الساحل الشرقي فتح بعض جزر الخليج، ففي فتوح البلدان تشير رواية تاريخية إلى فتحة جزيرة (أبركاوان) وهي جزيرة عربية، نسبة إلى كاوان وهو لقب للحارث بن امرئ القيس بن حجر بن عامر من بني عبد القيس.
وقد يرجع اختيار عثمان هذه الجزيرة إلى كثرة العرب بها وبالأسياف القريبة منها، وإلى موقعها الاستراتيجي حيث تقع عند مضيق هرمز على الجزء الأسفل من الخليج العربي فهي تتحكم بالطريق البحرية وتعتبر محطة لتجميع القوات العسكرية، هذا بالإضافة إلى بعدها عن مراكز الحشود العسكرية الفارسية الواقعة في شمالي وشمال شرقي الخليج العربي.
وفاته
توفي عثمان بن أبي العاص، رضي الله عنه، في زمن معاوية بن أبي سفيان، في البصرة.