القديس يوحنا القصير، زهرة الطاعة التي نبتت في صحراء شيهيت
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ذكرى نياحة القديس يوحنا القصير الشهير بأبي يحنس، أحد أعمدة الرهبنة القبطية في برية شيهيت، وأحد تلاميذ القديس الأنبا بمويه، والذي ترك للعالم نموذجًا خالدًا في الطاعة والتواضع وخدمة الله.
قصة القديس يوحنا القصير
وتروي السنكسار القبطي أن القديس يوحنا القصير، الذي لُقِّب بـ"الضياء العظيم والإيجومانس"، وُلد في بلدة بتسا بصعيد مصر من والدين تقيين غنيين في الإيمان والأعمال الصالحة. ومنذ طفولته، امتلأ قلبه بمحبة الله واشتاق إلى حياة الرهبنة، فترك العالم وهو في الثامنة من عمره، واتجه إلى برية شيهيت، حيث التقى بالقديس بمويه وطلب الإقامة تحت طاعته.
اختبره الشيخ المجرب ليعرف صدق دعوته، فرفضه في البداية قائلًا إن البرية طريقها صعب، ولكن القديس الصغير أصر في اتضاع قائلًا: “لا تردّني من أجل الله، لأني أتيت لأكون تحت طاعتك وفي صلاتك.” وبعد أن صلى القديس بمويه وطلب من الله أن يكشف له أمره، ظهر له ملاك الرب قائلًا: “اقبله لأنه إناء مختار.” وهكذا قصّ شعره وألبسه ثياب الرهبنة بعد صلاة استمرت ثلاثة أيام، وأثناء ذلك ظهر ملاك يرسم عليها علامة الصليب.
بدأ الأنبا يوحنا حياته الرهبانية في طاعة كاملة ونسك شديد. وفي أحد الاختبارات الروحية، طرده أبوه الروحي سبعة أيام ليمتحن اتضاعه، فظلّ خارج قلايته في صمت وخضوع، حتى رأى الشيخ الملائكة يضعون على رأسه سبعة أكاليل، فأكرمه وعرف أنه صار مثالًا للرهبان.
ومن أشهر معجزاته ما حدث عندما أمره الأنبا بمويه أن يغرس عودًا يابسًا ويسقيه كل يوم بماء يبعد عن موضعه اثني عشر ميلًا، فظلّ يطيعه ثلاث سنوات كاملة حتى صار العود شجرة مثمرة، ففرح الشيخ وقال لتلاميذه: “كلوا من ثمرة الطاعة.” ولا تزال هذه الشجرة قائمة حتى اليوم في موضع ديره، كشاهد على الطاعة الكاملة التي عاشها القديس.
عرف القديس يوحنا القصير أيضًا بخدمته الطويلة لمعلمه أثناء مرضه الذي استمر اثنتي عشرة سنة، ولم يسمع منه تذمّرًا أو شكوى، حتى سلّمه الأنبا بمويه للشيوخ قائلًا: “احفظوا هذا لأنه ملاك لا إنسان.” وبعد نياحة معلمه، أقام يوحنا في موضع الشجرة التي غرسها، وصار قمصًا على الكنيسة، وفي يوم رسامته على يد البابا ثاؤفيلس، سُمع صوت من السماء يقول: “مستحق، مستحق.”
وكان القديس يوحنا يتميز بموهبة روحية خاصة، إذ كان أثناء الخدمة الإلهية يعرف من يستحق التناول ومن لا يستحق. كما أرسله البابا ثاؤفيلس إلى بابل لإحضار أجساد الفتية الثلاثة، لكن الله أعلن له أن الأجساد ستبقى في موضعها إلى يوم القيامة، وأعطاه علامة سماوية حين أنارت القناديل في الكنيسة من تلقاء نفسها.
عاش القديس يوحنا القصير حياة نسكية حتى نياحته العجيبة، إذ رآه خادمه محاطًا بالملائكة والقديسين، يتقدمهم القديس أنطونيوس الكبير كمنظر الشمس، بينما كان جسده راقدًا في سجود، وقد فارق الحياة في خشوع وصلاة. ومن جسده الطاهر أجريت عجائب كثيرة بعد نياحته، فصار أحد القديسين الذين يُذكرون في برية شيهيت بكل إكرام.