جماعات المصالح تتبوأ عرش البرلمان
في الانتخابات البرلمانية ترى العجب والصيام في يوم العيد، ومن الحكايات التاريخية إلى واقع اليوم قد تندهش كثيرا، إلا أن حكايات العصر الحالي أكثر غرابة وعجبا، ففيها سترى من ألوان الدهشة ما لم تره من قبل، وفيها من الوقائع ما لم تكن تتوقعه.
وبعيدا عن فكرة بيع مقاعد أعلى سلطة تشريعية في البلاد، فإن المطروح على مائدة الناخب يختلط فيه الحابل بالنابل، وتندهش أكثر إلى تغير مفاهيم المال السياسي، فبعد أن كانت رشاوى تقدم للناخبين المطحونين، أصبحت ذات شقين أحدهما للحزب في صورة تبرع، والأخرى في صورة رشوة على الماشي للناخب يوم الاقتراع.
سألوا أحد المرشحين عن مؤتمراته وندواته، وما يجب عليه أن يفعله، وكان الرد أكثر دهشة.. لماذا ألجأ إلى الندوات والمؤتمرات والذي منه، إذا كنت قد جئت على رأس القائمة، أو رشحت من الحزب الفلاني، وهو الحزب الأكبر والأقوى والأكثر سيطرة.
اختزل النائب القادم إلى برلمان مصر الفكرة في قوله: وضعت ميزانية مائة وخمسين مليونا من الجنيهات، وهو مبلغ يكفي لشراء أصوات دائرتين وليس دائرة واحدة، وبالتالي فإن الثمن جاهز، والبائع ينتظر، وأنا لها، ولن أكون ضحية ما كان معتقدا فيما هو ماض.
الناس في الشوارع تضرب أخماسا في أسداس، فما هو مطروح عليهم في القوائم والفردي، لا يعبر بالضرورة عن الالتحام مع الشارع، أو العمل الجماهيري السياسي المتعارف عليه، صحيح هناك أسماء محترمة لها تاريخ، ولها ارتباط بدوائرها، غير أن هؤلاء قلة في بحر متلاطم، من العشوائية والخضوع لكل ما هو غير منطقي.
الأحزاب السياسية فيما قدمته للناخب لم تقدم وجبات شعبية، وإنما قدمت نماذج لمجموعات من المصالح، أو الملتفين حول دوائر المصالح، وهؤلاء يمثلون الصورة الختامية لنظام مبارك، عندما اعتلى السلم الانتخابي مجموعات لم تكن سوى لوبي يمثل مصالحه، ومصالح طبقة ظهرت بوضوح مع بزوغ نجم أحمد عز.
ما أدى إلى نهاية الحزب الوطني هو الصورة المطروحة الآن، تلك هي وجهة نظري لا أفرضها على أحد، غير أني متابع جيد للحياة السياسية قديمها وحديثها، وما أراه على مسرح الحدث الانتخابي الآن لا يمكن أن يمثل الشارع المصري المحاصر بعدد من المشكلات والأزمات الطاحنة، التي تفرض نهجا مختلفا في اختيار العناصر القادرة على مواجهة التحديات، وامتصاص مرارات تسكن الحلوق.
ولا أعرف حتى تاريخه ما هي القواعد التي بناء عليها يتم اختيار العناصر التي تخوض الانتخابات، ولم يحدثنا أحد من علية القوم في الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة عن معايير الاختيار، بل إن القوائم احتوت على أسماء لا علاقة لها بدوائرها، أو بمحافظات ترشحت فيها، وهو رغم كونه أمرا قانونيا إلا أنه غير أخلاقي بالمرة.
أظن ومعظم الظن ليس إثما أن الوطن فيما يمر به بحاجة إلى تشغيل ماكينة السياسة، بشكل أكثر نضجا مما يجري على أرض الواقع الآن، وأعتقد وبعض اعتقادي قد يصل إلى حد اليقين أن ولاة الأمر في الحياة السياسية قد أغفلوا الواقع بشكل ممنهج وغير منطقي وغير مسئول.
سقوط الحياة السياسية إلى هذا الدرك يثير في النفس مخاوف من ملامح الغد، وما يشكله هذا السقوط من مخاطر على فكرة الاستقرار، وحاجة الوطن إلى أدوات سياسية واجتماعية واقتصادية تستطيع تحمل المسئولية الوطنية في ظل ظرف إقليمي أكثر من صعب.
والتعامل مع الجمهور أو الشارع بهذا الاستخفاف، لن يتحمل تبعاته إلا الوطن، وإذا ما دخلنا إلى اختبار حقيقي، فإن أول من سيهرب هو جماعات المصالح، أواللوبيهات التي تعتمد مصالحها فوق مصالح الوطن، وقد رأينا كثيرا من التجارب حولنا، وحول حولنا، كان الثابت فيها أن المواطن البسيط هو الجندي الوحيد الذي لا يهرب أبدا من الميدان.