ماذا يحدث في المنطقة حولنا!
من يعتقد أن هناك ثمة عداء من أجل القدس والقضية الفلسطينية بين إيران وإسرائيل هو واهم، ما بين إسرائيل وإيران هو التنافس الحاد والخشن لمن يستولى على المنطقة العربية، وأمريكا تدير هذا التنافس بحرفية عالية..
فإذا ما اقتربت إسرائيل من ضرب إيران في العمق تمنعها بشدة أمريكا، وإذا ما حاولت إيران تجاوز قواعد اللعب في الشرق توجه أمريكا لها ضربة تحذيرية كما في عملية اغتيال قاسم سليماني.
والغضب الإسرائيلي من إيران يكمن في أن إيران تفوقت على إسرائيل في تمزيق المنطقة العربية، ففعلت إيران ما عجزت إسرائيل عن فعله في إخراج دول عربية عن معادلة الدولة إلى الفوضى، كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن..
وكل التكهنات والتحليلات التي تتحدث عن حدوث حرب شاملة هي من قبيل حملات الدعاية الإعلامية، تلك التي تُروج لها أمريكا لشيء ما في نفسها تضمره، هذا الشيء هو ما تخشى أمريكا حدوثه.. فالخوف الأمريكي إذًا ليس من اشتعال حرب..
الخوف الأمريكي من أن يسقط نظام إيران ولازالوا هم وصهيون في حاجة له لتمزيقنا، ومن ثم تثبيت وجود أمريكا في المنطقة، وذلك لقطع الطريق على الصين من دخولها المنطقة عبر مشروع الحزام والطريق..
لأن الأمريكي الآن دخل البحر الأحمر بذريعة مواجهة الحوثيين في اليمن، وهم من أذرع إيران، ودخلوا مضيق هرمز في الخليج بذريعة تطويق الخطر الإيراني، ونشروا قطعا بحرية في المتوسط قبالة شواطئ لبنان بحجة تهديد حزب الله وهو الذراع الأهم لإيران والذي انهار الآن، فماذا بقي للصين في المنطقة إذًا؟
أمريكا تعلم تمام العلم هشاشة وضعف إيران أمام مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وإيران تخشى من دخول حرب مع إسرائيل هي تعرف نتائجها، فلن تحارب إيران حتى ولو تم تدميرها، وإذا أرادت إيران ردا على ضربات قادمة من إسرائيل، فلا بد من أن تنسق الرد مع أمريكا..
وبدورها أمريكا تخبر إسرائيل بموعد ومكان الضربة التي تحتاجها إيران لحفظ ماء وجهها، كما حدث هذا في الرد الإيراني على إسرائيل في أعقاب ضرب السفارة الإيرانية بدمشق.
لذا صدق توقعنا لما قلنا: (لا تتوقعوا من إيران ردًا رادعًا لإسرائيل بعد صفعة العار التي سددتها لها إسرائيل باغتيال اسماعيل هنية في طهران وهو تحت حماية الحرس الثوري).. لكن ما يدور في عقل رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، هو إدامة حالة التوتر على حافة الحرب الوهمية ليبقى هو والمتطرفون اليمنيون في الحكم..
ذلك أن وقوف حالة الحرب الوهمية تلك تعني سقوط حكم نتنياهو ومن ثم تقديمه للمحاكمة، من هنا اختلفت المصالح الأمريكية والإسرائيلية، أمريكا تخشى من اللعب الدائر بين إيران وإسرائيل على حافة الهاوية أن يؤدي هذا السجال عبر خطأ من هنا أو هناك، إلى سقوط النظام الإيراني بعد ضربات إسرائيلية في العمق تضطر فيها أمريكا للدخول لمساعدة إسرائيل.
ونتنياهو يريد سحب وتوريط ليس أمريكا فقط بل والغرب لشن حملة ضارية على إيران، كما حدث للعراق في 2003.. لكن المتغير الآن بقدوم ترامب جعل الإسرائيلي يعود لبيت الطاعة الأمريكي ليعمل وفق الإيقاع الأمريكي، بخلاف عهد بايدن الذي كان أسيرا للقرار الإسرائيلي، ورأينا هذا في هدنة غزة التي حدثت بمجرد مكالمة من ترامب لنتنياهو وكانت..
وينبغي الوقوف على أن هناك توجه للدولة العميقة في أمريكا لا يستطيع ترامب تجاوزه، وإلا ينتظر مصير الرئيس كندي.. الاغتيال، ووجهة الدولة العميقة في أمريكا أنها ترى أهمية وجود النظام الإيراني في الحكم ولكن بعد قطع أذرعه، ذلك أن إيران تفوقت على إسرائيل في تمزيق المنطقة العربية، إذ فعلت ما عجزت إسرائيل عن فعله..
وهذه المهمة (تمزيق المنطقة) هي من أسباب وجود إسرائيل في المنطقة، وكان هذا الأمر سببا من أسباب انقلاب إسرائيل على إيران.. فكيف بإيران تنافسها في مهمتها التي من أجلها كان وجود الكيان الصهيوني بمنطقتنا، بل وتتفوق على إسرائيل؟
ذلك أن حرب إيران ليست مع إسرائيل، بل هي تورطت فيها لما اختلفت الحسابات، حرب إيران الأصيلة كانت في توسيع مجالها الحيوي عبر التمدد والتوسع في المنطقة العربية، وقد أفسحت لها المجال ومنحتها الضوء الأخضر أمريكا أوباما..
وهذا ما قاله ترامب في رئاسته الأولى إذ قال: (أوباما سمح لإيران بالتمدد في الإقليم وأعطاهم الضوء الأخضر).. إذ رأينا دولا وقعت رهينة المشروع الفارسي الإيراني (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن)..
لكن تلك الدول وفجأة خرجت من قبضة نظام ملالي فارس طهران، تلك الدول التي انهارت جراء وجود النفوذ الإيراني بها وممارساته الفاسدة، وبدل أن تكون هذه الدول العربية الرهينة لنفوذ إيران مصدات أمنية لها، صارت أماكن طاردة لوجودها، بعد انهيار حزب الله اللبناني، وسقوط سوريا في قبضة المشروع العثماني التركي الإخواني، والدور سوف يأتي على العراق قريبا للخروج من هيمنة نظام إيران الذي خذل الأمريكي في مهمته التي يُفترض له القيام بها.
من هنا كان على الأمريكي استبداله بالتركي العثماني الإخواني ليدير عجلة تفتيت المنطقة بحرفية أعلى ونعومة أفضل، بعد أن كانت إيران داخل نطاق لعبة الابتزاز الأمريكي الخفي لدول الخليج خاصة (الإمارات، والسعودية، والكويت) ابتزازهم بشبح إيران..
وهذا الابتزاز كان يتقاطع مع أحلام وطموح إيران، إذ أنها كانت تسعى لتحويل الخليج لهلال شيعي يتبع ولاية الفقيه الفارسية، وهذا يصب في صالح أمريكا التي أعادت الاتفاق النووى مع إيران وما يستتبع هذا من عودة للدور الإيراني في ابتزاز دول الخليج، مما اضطر دول الخليج للتوجه ناحية الصين وروسيا.
لذا لا تتوقعوا حربا قادمة، بل توقعوا صفقة كبرى بين إيران وأمريكا وتركيا يتم طبخها الآن على نار هادئة في سلطنة عمان، فالأمريكي يسيطر على أدواته التي يلعب بها، إيران ومحورها الذي انهار بعد أن أطلقت عليه محور المقاومة، والتركي العثماني الإخواني الذي سيرث تركة إيران في المنطقة، وكذا إسرائيل..
لذا سنرى نوع جديد من الحروب.. مسرحيات وتمثيليات كأنها الحروب الحقيقية وهي ليست كذلك، والأمريكي والإيراني والتركي ينسقون خلف الغرف المغلقة بسلطنة عمان وقطر في إخراج هذه الحروب الوهمية التي تحصد الضحايا من أبنا المنطقة العربية.