فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرى الجلاء، كيف استعاد المصريون أرضهم وكرامتهم؟

اتفاقية الجلاء، فيتو
اتفاقية الجلاء، فيتو

لم تكن لحظة الجلاء عن مصر مجرد حدث سياسي في منتصف الخمسينيات، بل كانت تتويجًا لسبعة عقود من صراع طويل بدأ منذ أن وطأت القوات البريطانية أرض البلاد في صباحٍ من خريف عام 1882، حين دخلت الإسكندرية بدعوى استعادة النظام بعد الثورة العرابية، لكنها لم تخرج بعدها إلا بعد 72 عامًا كاملة، في يونيو من عام 1956.

كواليس الاحتلال الإنجليزي لمصر

الاحتلال البريطاني لمصر لم يكن مجرد احتلال عسكري تقليدي، بل كان استعمارًا سياسيًا واقتصاديًا محكمًا. 

بعد معركة التل الكبير سقطت الدولة المصرية عمليًا تحت الهيمنة البريطانية، وتحولت البلاد إلى ما يشبه الثكنة المفتوحة، تحكمها إرادة القنصل لا إرادة الخديوي.

 كانت قناة السويس جوهرة التاج، والسيطرة عليها تعني التحكم في طريق الإمبراطورية إلى الهند، لذلك تمسك البريطانيون بالبقاء مهما تغيرت الوجوه أو الألقاب في القاهرة.

هل كان من الممكن مغادرة الاحتلال طوعًا؟


الإجابة الأقرب إلى الواقع تقول لا فكل المؤشرات السياسية والاقتصادية في النصف الأول من القرن العشرين كانت تؤكد أن بريطانيا لم تكن تنوي الرحيل، بل كانت تراوغ عبر اتفاقيات شكلية كالتحالف عام 1936، الذي منح مصر استقلالًا على الورق بينما أبقى القوات البريطانية داخل قناة السويس بحجة حماية المصالح المشتركة.

نيران الرفض كانت تتقد تحت الرماد. بدأت المقاومة من الجامعات والنقابات والصحف، وبلغت ذروتها في الأربعينيات حين تحولت مدن القناة إلى مسرح للمواجهات بين الفدائيين والجنود البريطانيين. كانت بورسعيد والإسماعيلية والسويس تشهد معارك صغيرة، حتى جاءت ثورة يوليو 1952 لتضع النهاية المنتظرة.

كيف أصبح حلم الجلاء حقيقة؟ 

 ولدت لحظة التحول الحقيقية في عام 1954 عندما وقِّعت اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا، وهي التي نصت على سحب القوات البريطانية من منطقة القناة خلال 20 شهرًا، وإلغاء معاهدة 1936، وعدم عودة القوات إلا في حال تعرض مصر أو دولة عربية لهجوم خارجي.

ولم يكن الجلاء مجرّد انسحاب عسكري، بل كان استعادة لروح وطنية ظلت مُصادرة لعقود. يوم 18 يونيو 1956 رُفع العلم المصري فوق مبنى البحرية في بورسعيد، وانتهى رسميًا عهد الوجود البريطاني ولم يكن مشهدًا بروتوكوليًا فحسب، بل كان إعلانًا لولادة جمهورية ذات سيادة كاملة بعد قرن من الوصاية.

وهكذا من التل الكبير إلى قناة السويس، ومن الاحتلال إلى الجلاء، كتبت واحدة من أطول صفحات التاريخ المصري الحديث، تعلّم الأجيال أن الاستقلال لا يمنح، بل ينتزع، وأن الأوطان لا تسترد حقوقها بالمفاوضات وحدها، بل بالإصرار الطويل على أن يكون القرار وطنيا خالصا.