بالمانجو والخوخ والجوافة، محمد زكي يغير مفهوم المخلل من أزقة الدرب الأحمر (فيديو وصور)
في قلب حي الدرب الأحمر العريق، حيث تختلط رائحة التاريخ بعبق الحارة المصرية، يقف محمد زكي أمام براميله الخشبية القديمة، يفتح الغطاء عن أحد المخللات ليخرج منها شرائح مانجو غارقة في محلولها المالح، لكنها ليست مانجو عادية، بل مانجو مخللة.
بدأت الحكاية قبل عشرين عامًا، حين كان محمد يواصل مهنة أجداده في تخليل الخيار والزيتون والفلفل، دون أن يخطر بباله أن الفاكهة يمكن أن تتحول يومًا إلى صنف من أصناف المخلل.
يقول بابتسامة فخر:
"واحد صاحبي كان راجع من الهند، جابلي معاه برطمان فيه مانجو مخللة، أول ما دقتها، استغربت الطعم... حلو ومالح في نفس الوقت، من هنا بدأت الفكرة".
لم يكن الأمر سهلًا في البداية، فـمحمد جرّب وصفات كثيرة حتى توصل إلى طريقته الخاصة في تخليل الفواكه، مزيج بين أسرار العائلة القديمة ولمساته الجديدة التي حولت الطعم الغريب إلى تجربة فريدة تجذب الزبائن من أنحاء القاهرة.




من المانجو إلى الجوافة والخوخ رحلة ابتكار لا تتوقف
لم يكتفِ محمد زكي بالمانجو، بل قرر أن يوسع قائمته لتشمل الجوافة، البرتقال، والخوخ.
كانت المغامرة محفوفة بالمخاطر، فالمجتمع المصري لم يعتد على مخللات من الفاكهة.
لكن المفاجأة أن بعض هذه الأصناف لاقت رواجًا كبيرًا بين الشباب ومحبي التجربة.
يقول مبتسمًا:
"المانجو أكتر حاجة الناس بتحبها، بعدها الجوافة والبرتقال، جربت أخلل الفراولة والبيض كمان... بس محدش قدر يستحمل الطعم!"
ورغم أن بعض التجارب لم تلقَ النجاح، إلا أنه لم يندم على أي منهاـ بالنسبة له، الفشل مجرد خطوة نحو اكتشاف جديد.

مهنة الأجداد بروح عصرية
توارث محمد زكي مهنة التخليل عن أجداده، الذين عملوا في نفس الدرب منذ أكثر من سبعين عامًا، لكن ما يميزه هو أنه لم يتوقف عند حدود الموروث، بل أضاف إليه روحه وفضوله للتجديد.
يقول:
"أبويا وجدي كانوا بيخللوا الخيار والفلفل بس. أنا قررت أعمل حاجة مختلفة، حاجة تخلّي اسمنا معروف برا مصر."
من هنا بدأ حلم الانتشار والعالمية، وهو حلم لم يعد بعيدًا كما يبدو. فاليوم، زبائنه لا يأتون فقط من القاهرة، بل من الإسكندرية والمنصورة والسويس، وبعضهم يحمل البرطمانات معه للسفر إلى الخارج كهدايا.

عائلة تدير مشروعًا بطابع الحارة وروح العصر
وراء براميل المخللات التي تملأ المحل، هناك عائلة صغيرة تشارك في نجاح القصة. ابنه الأكبر، كريم، هو الوريث القادم للمهنة، تعلم من والده أسرار التخليل ويمتلك نفس الحماس والفضول لتجربة كل جديد.
"ادّيته أسرار المهنة بإيدي، عشان اللي بدأناه يكمل"
أما ابنته الصغرى ندى، فتلعب دورًا مختلفًا. تدير صفحات المحل على فيسبوك وتيك توك، وتنشر مقاطع طريفة ومقاطع "قبل وبعد" لتخليل الفواكه.
بفضلها، تحول المحل الصغير إلى ظاهرة على السوشيال ميديا، إذ يحقق كل فيديو آلاف المشاهدات. "ندى" تعرف جيدًا كيف تدمج بين تراث والدها وروح الجيل الجديد، فتجعل من المخلل منتجًا عصريًا بطابع شعبي.

من زقاق ضيق إلى حلم كبير
هذا المكان ليس مجرد مصدر رزق، بل حكاية عمر بدأها بجُرأة تجربة، ويأمل أن يُكملها أولاده.
"نفسي أشوف البرطمانات دي في كل بلد... اسم مصر يتكتب عليها، ويتقال إن أول مانجا مخللة خرجت من الدرب الأحمر."
هكذا، من زقاق ضيق في حي القاهرة القديمة، خرجت فكرة صغيرة بطعم غريب، لكنها تحمل في داخلها روح الابتكار المصري الأصيل روح لا تعرف حدودًا بين الماضي والمستقبل، بين المالح والحلو، ولا بين المحلية والعالمية