قمة شرم الشيخ، هل أصبحت القاهرة الضامن الأول للسلام والأمن في الشرق الأوسط؟
بعد ما يقارب نصف قرن على اتفاق كامب ديفيد، الذي غير وجه الشرق الأوسط، وأعاد تعريف العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، تعود مصر لتقف مجددًا في قلب المعادلة، ولكن هذه المرة بوجه مختلف، فهي ليست طرفًا مباشرًا في الصراع، بل ضامن الإقليم كله.
تجربة السلام مع إسرائيل
منذ توقيع كامب ديفيد عام 1978، كانت مصر هي أول دولة عربية تخوض تجربة السلام مع إسرائيل، في لحظة توازنت فيها شجاعة القرار مع كلفة العزلة العربية.
وقتها بدا الاتفاق بين الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وكأنه نهاية لصراع طويل، لكن ما لم يدركه كثيرون أن القاهرة بدأت منذ تلك اللحظة تتحول من لاعب عسكري إلى لاعب سياسي يملك أوراق المنطقة.
في العقود التالية، تكرس هذا التحول عبر أدوار متتابعة في ملفات لبنان، السودان ثم فلسطين، ومع كل جولة تصعيد، كانت القاهرة تستدعى لتكون الوسيط الموثوق، حتى أصبحت كما وصفتها نيويورك تايمز، بوابة الإقليم إلى التهدئة.
دور مصر في غزة
السنوات الأخيرة شهدت مرحلة جديدة؛ لا تكتفي فيها مصر بنقل الرسائل، بل ترسم خطوط الاتفاقات نفسها، وجاءت قمة شرم الشيخ للسلام تتويجًا لذلك المسار، فبينما كانت الحرب في غزة تهدد بانفجار إقليمي، عادت مصر لتقود المفاوضات وتجمع القوى المتناقضة في قاعة واحدة.
ووفقًا لتقارير وكالات أنباء عالمية بدأت التحركات المصرية قبل القمة بأسابيع من خلال اجتماعات مغلقة بين مسؤولين من الأجهزة الأمنية المصرية، ونظرائهم الأمريكيين والإسرائيليين، وطرحت القاهرة مقترحًا واضحًا لوقف النار تحت إشراف دولي وبضمانة مصرية مباشرة.
معركة كامب ديفيد
حسب خبراء، مصر لم تعد تتحدث بلسان طرف، بل المنطقة بأكملها، وبينما خاضت القاهرة معركة كامب ديفيد لتأمين حدودها، تخوض شرم الشيخ اليوم معركة لتأمين الإقليم بأسره، وهذه النقلة في الدور جعلت القاهرة كما وصفتها واشنطن بوست مؤخرًا العاصمة الوحيدة التي يمكنها أن تصغي إلى واشنطن، وتخاطب تل أبيب، وتقنع غزة في الوقت نفسه.
وبحسب مذكرات عدد من المسؤولين الأمريكيين، بينهم هنري كيسنجر وجورج ميتشل، فإن السياسة المصرية منذ السبعينيات قامت على الاستقرار مقابل التأثير، تثبيت الأمن الإقليمي مقابل احتفاظ القاهرة بدور صانع القرار في الأزمات العربية، وهو ما يفسر أن كل اتفاق تهدئة أو وقف إطلاق نار في العقود الأخيرة حمل توقيعًا مصريًّا.
وجاء قمة اليوم لتعيد إنتاج هذه الفلسفة في سياق جديد خاصة مع تراجع نفوذ بعض القوى الإقليمية الأخرى، حيث تبدو مصر أكثر قدرة على بناء التوازنات بين المتخاصمين، وترعى سلامًا يحمي الإقليم، بسبب خبراتها على مدار خمسين عامًا من الدبلوماسية الهادئة التي أثبتت أن مصر، مهما تغيرت الظروف، تظل نقطة الاتزان في زمن التوتر والاضطراب.