9 أيام من الإغلاق الحكومي الأمريكي، ما الذي يخشاه رئيس الفيدرالي ويقلق صندوق النقد؟
هدأت ارتفاعات الدولار والذهب عالميا، وهما الخصمان اللدودان، بعد جولة من التوافق الاستثنائي بين الأصلين المرتبطين بعلاقة عكسية تحول دون ارتفاعهما معا.. ويتزامن ذلك مع صدور محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حيث تتابع الأسواق عن كثب تفاصيل محضر اجتماع الفيدرالي، المسئولة عن قرار أسعار الفائدة، ومنح السوق تلميحات أو إشارات إلى مسار السياسة النقدية، ورؤية الأعضاء لحجم التخفيض المحتمل، وهو ما يؤثر على سوق الأسهم، والعملات، والذهب، بحسب إرم بزنس.
جاء المحضر بعد يوم واحد من تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن إدارته تعتزم إلغاء عدد من البرامج الحكومية نتيجة للإغلاق الحكومي المستمر منذ 9 أيام، ومشاريع بمليارات الدولارات.

ما الذي كشف عنه محضر «الفيدرالي»؟
كشف محضر اجتماع الفيدرالي الذي عقد على مدار يومي 16 و17 سبتمبر الماضي عن انقسام أعضاء لجنة السوق المفتوحة حول وتيرة خفض أسعار الفائدة، حيث أشار بعضهم إلى ضرورة التحرك بسرعة لاحتواء تباطؤ سوق العمل، بينما فضّل آخرون التريث لتفادي تغذية أي ضغوط تضخمية جديدة.
أظهر محضر الاجتماع، الذي نشره «الفيدرالي» أمس الأربعاء، إجماعا واسعا بين الأعضاء على أن تدهور سوق العمل بات أكثر وضوحًا، فيما رأى البعض أن مخاطر تسارع التضخم أصبحت أكثر توازنًا، رغم استمرار ارتفاع المعدل فوق المستوى المستهدف عند 2%.
وبعد تأييد أغلب الأعضاء لخفض الفائدة 25 نقطة أساس في سبتمبر، توقع قرابة نصف أعضاء لجنة السوق المفتوحة إجراء خفضين إضافيين بحلول نهاية عام 2025.
ما الذي يحاول «الفيدرالي» تجنبه؟
أبدى بعض الأعضاء حذرهم من أن خفض الفائدة بشكل مفرط قد يُضعف مصداقية جهود البنك في التصدي لارتفاع الأسعار، فيما أشار عدد من المشاركين إلى أن استمرار ضعف الاستثمار السكني وتراجع الإنفاق الاستهلاكي يعكسان تباطؤًا واضحًا في النشاط الاقتصادي.
شدد «الفيدرالي» في محضر الاجتماع على أن لجنة السوق المفتوحة لا تتبع مسارا محددا مسبقا، وأن القرارات القادمة ستعتمد على البيانات الاقتصادية، خاصة تطورات التوظيف والأسعار خلال الربع الأخير من العام.

قلق صندوق النقد
قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة مجددًا هذا العام، ولكن سيتعين عليه أن يوازن بعناية بين آفاق النمو المتراجعة، ومؤشرات توقف تباطؤ التضخم.
رأى غورغيفا، أن الاقتصاد الأمريكي أثبت قوته وتفوقه على معظم التوقعات مع نموه في الربع الثاني بنسبة 3.8%، وأن الطلب الاستهلاكي لا يزال قويًا على الرغم من المؤشرات، التي تظهر أن التوظيف ليس بالقوة نفسها.
كما اعتبرت: «الصورة غير واضحة تمامًا، لذا في ظل هذه البيئة، وبالنظر إلى توقف تباطؤ التضخم، وإلى أن الاقتصاد قد يكون ضعيفًا بعض الشيء أيضا، فمن المهم بشدة أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بالأمر الصحيح».
تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي
خلال مناقشة السياسة النقدية في الاجتماع، لاحظ المشاركون أن التضخم ارتفع مؤخرا وبقي مرتفعا نسبيا، في حين أشارت المؤشرات الأخيرة إلى تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي خلال النصف الأول من العام.
رغم بقاء معدل البطالة منخفضا، أشار المشاركون إلى ارتفاعه الطفيف وتباطؤ نمو الوظائف، مؤكدين أن مخاطر تراجع التوظيف قد زادت في الفترة الأخيرة.
في ظل هذه الخلفية، أيد جميع أعضاء الفيدرالي تقريبا خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية خلال الاجتماع.

تحول المخاطر
أشار المشاركون إلى أن هذا القرار يعكس تحولا في ميزان المخاطر، إذ رأى معظمهم أنه من المناسب توجيه السياسة النقدية نحو إطار أكثر حيادية، نظرًا لارتفاع مخاطر تراجع التوظيف، مقابل تراجع أو استقرار مخاطر التضخم.
في المقابل، ذكر عدد محدود من الأعضاء أن الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير كان خيارا مطروحا، مبررين ذلك بأن التقدم نحو هدف التضخم البالغ 2% قد توقف مع ارتفاع قراءات التضخم الأخيرة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع توقعات التضخم على المدى الطويل إذا لم تتم السيطرة عليه في الوقت المناسب.
أحد المشاركين، رأى أن السياسة يجب أن تتجه نحو موقف أكثر حيادية، لكنه فضل خفضًا أكبر بمقدار نصف نقطة مئوية بدلا من ربع نقطة.
السياسة النقدية
عند النظر إلى آفاق السياسة النقدية، رأى أعضاء الفيدرالي أن خفض الفائدة الأخير يمنح اللجنة مرونة أكبر للاستجابة للتطورات الاقتصادية المقبلة، مؤكدين أن السياسة النقدية ليست مسارًا محددا مسبقا وستعتمد على البيانات الاقتصادية والتوازن بين المخاطر.
وأبدى المشاركون آراء متباينة حول مدى تقييد السياسة النقدية الحالية، لكن أغلبهم رجح إمكانية تخفيف السياسة أكثر خلال ما تبقى من العام.
في الاجتماع الأخير للبنك، خفض الأعضاء سعر الفائدة بواقع 25 نقطة، بالإجماع، ولم يخالف هذا الرأي سوى ستيفن ميران العضو الأحدث في مجلس إدارة البنك، ومستشار ترامب الاقتصادي.
بعض أعضاء «الفيدرالي» أشاروا إلى أن الظروف المالية الحالية لا تبدو تقييدية بشدة، ما يدعو إلى الحذر عند دراسة أي تعديلات إضافية على السياسات، كما حذر المشاركون من أن تخفيف السياسة النقدية بسرعة أو بشكل مفرط قد يؤدي إلى فقدان استقرار توقعات التضخم طويلة الأجل، مما يصعّب استعادة استقرار الأسعار.
في المقابل، إذا ظلت أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة جدًا، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع غير ضروري في البطالة، وتباطؤ حاد في الاقتصاد.
نهج متوازن بين هدفي التوظيف والتضخم
شدّد الأعضاء على أهمية اتباع نهج متوازن بين هدفي التوظيف والتضخم، مع مراعاة مدى الانحراف عن الأهداف والفترة الزمنية اللازمة للعودة إلى المستويات المستهدفة.
تناول العديد من المشاركين قضايا تتعلق بالميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي وتطبيق السياسة النقدية، وأشار بعضهم إلى أن عملية خفض الميزانية العمومية تسير بسلاسة حتى الآن.
رغم استمرار وفرة الاحتياطيات، أكد أعضاء الفيدرالي ضرورة مراقبة أوضاع سوق النقد عن كثب مع انخفاض الاحتياطيات تدريجيًا، لتقييم مدى قربها من المستوى الكافي.