الإذاعية الكبيرة إيناس جوهر تكشف أسرار إلقاء البيانات العسكرية عن انتصار أكتوبر: كنت صوت الأمل فى لحظة النصر.. مشهد تلاحم الشعب لا ينسى.. وعبد القادر حاتم اختارنى مع درية شرف الدين لإلقاء البيان
اختار الدكتور عبد القادر حاتم، وزير الإعلام الأسبق، الإعلاميتين إيناس جوهر ودرية شرف الدين لقراءة البيانات العسكرية خلال لحظات نصر أكتوبر المجيد عام 1973، نظرًا لما تتمتعان به من قدرات صوتية مميزة؛ فقد تميز صوت إيناس جوهر بالتفاؤل والبهجة، بينما امتاز صوت درية شرف الدين بالهدوء والثبات، فكانتا الصوتين النسائيين الوحيدين اللتين أُسنِد إليهما هذا الدور الوطنى فى لحظة فارقة من تاريخ مصر.
وبمناسبة مرور 52 عامًا على هذا النصر العظيم، أجرت فيتو لقاءً مع الإذاعية القديرة إيناس جوهر، تحدثت خلاله عن ذكرياتها فى اليوم الأول للعبور ومشاعرها تجاه هذه الذكرى الخالدة.
كيف تصفين شعورك اليوم بعد مرور أكثر من خمسة عقود على نصر أكتوبر؟
لكل عصر سماته وجماله وأحداثه، وقد عاصرت خلال عملى فى الإذاعة العديد من الأحداث المهمة، ولكن يظل انتصار أكتوبر عام 1973 من أعظم اللحظات التى عشتها، أشعر بسعادة وفخر كبير لأننى كنت شاهدة على هذه اللحظة التاريخية وشاركت فيها بصوتي، كما أن ما أسعدنى بحق هو رؤية الشعب المصرى يتوحد فى وقت الشدائد، ويقف صفًا واحدًا فى مواجهة المحن، وهو ما تجلى بوضوح أثناء الحرب.
كيف كانت أجواء يوم السادس من أكتوبر؟
كان يوم السادس من أكتوبر عام 1973 يوافق شهر رمضان المبارك، وكنا آنذاك نقوم بتسجيل إحدى حلقات مسلسل الشرق الأوسط الإذاعى “أرجوك لا تفهمنى بسرعة”، من بطولة عبد الحليم حافظ، ونجلاء فتحي، وعادل إمام، وأثناء تسجيل الحلقة العاشرة، فوجئنا بتحول مبنى الإذاعة والتلفزيون إلى خلية نحل، الكل يعمل بكل طاقته من أجل دعم الوطن فى لحظة فارقة.
توافد كبار كُتّاب الأغنية الوطنية إلى الاستوديوهات لكتابة وتسجيل أجمل الأغانى التى عبّرت عن نصر أكتوبر المجيد، والتى تم بثها على الفور عبر الإذاعة، وتحول استوديو الدراما إلى منبر وطني، إذ علت أصوات الأغانى الوطنية التى لا تزال راسخة فى وجدان الشعب المصري، مثل: “سمينا وعدّينا”، “وأنا على الربابة بغني”، “عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة”، وغيرها من الأغنيات الخالدة التى واكبت لحظة العبور.
مررت خلال عملى فى الإذاعة بلحظات شديدة الصعوبة، خاصة خلال فترة النكسة وحرب الاستنزاف، حيث خيّم الحزن والاكتئاب على الجميع، لكن عندما فُوجئت بنبأ العبور والانتصار على الهواء، لم أتمالك نفسى من الفرح، بل كنت أشعر بفرحة تفوق فرحة الجنود أنفسهم، وبدأت أتنقّل فى الاستوديو من شدّة السعادة، كانت تلك الفترة من أجمل مراحل حياتي، حيث رأيت الشعب والجيش يدًا بيد وكتفًا بكتف، وهذا هو جوهر مصر العظيمة.
حضرتُ أيضًا حرب الاستنزاف، والتى كانت بحقّ إعدادًا جادًا ومُلهِمًا للعبور العظيم، كنا نذهب إلى الجبهة مع أستاذنا المخرج محمد علوان، وبرفقة مجموعة من الفنانين، لزيارة الجنود ودعمهم معنويًا، وقد رأينا فى أعينهم حزنًا دفينًا، وكان السؤال المُلح دائمًا: “إمتى هنحارب؟”.
كنت أحرص فى كل عيد على التواجد معهم على خط النار، حيث كان هناك برنامج يومى بعنوان “بصبح عليك”، وكان من البرامج الأساسية ذات الجمهور الكبير، وكنت أفرح معهم وكأننى جندية بينهم، أتقاسم معهم الحلم والشوق للنصر.
سمعتُ خبر اندلاع الحرب من الإذاعة، وكانت زميلتى درية شرف الدين تتولى النوبة الإذاعية وقت بدء العمليات، وكنت أنا التى تستلم بعدها مباشرة، قدمتُ موجز الأنباء، وبعدها تم اختيارنا، أنا ودرية شرف الدين، من قِبل الدكتور عبد القادر حاتم – وزير الإعلام آنذاك – لنكون المذيعتين الوحيدتين المكلفتين بإذاعة البيانات العسكرية عبر الراديو، وكان لى شرف المشاركة فى تلك اللحظات الخالدة، لأبشّر الشعب المصرى بالنصر، ولأعلن للعالم أن مصر قد انتصرت على العدو الصهيوني، كانت أجواءً لا تُنسى، مليئة بالفرح والفخر والعزة.
ما هو شعورك عندما قمتِ بقراءة بيانات النصر؟
كان شعورى مختلفًا تمامًا لحظة قراءتى لبيانات النصر، شعور لا يُمكن وصفه بالكلمات، فمنذ بداياتى فى الإذاعة، كنت أحرص على مرافقة الجنود فى تدريباتهم، وأسجل معهم اللقاءات، وأشاركهم الأوقات الصعبة، وعندما جاءت لحظة العبور، شعرت بعظمة لا توصف، كانت لحظة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، منحتنى دفعة هائلة من الفخر والاعتزاز لا يمكن نسيانها أو مقارنتها بأى إحساس آخر.”
هل هناك مواقف أخرى لا تنسينها فى هذا اليوم أو خلال تلك الفترة؟
من أكثر المواقف التى لا تفارق ذاكرتي، كان يوم اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، بطل العبور والنصر، كنت وقتها على الهواء مباشرة، وجاءتنا تعليمات من وزير الإعلام آنذاك بالاستمرار فى بث الأغانى الوطنية على الهواء، حتى الساعة الخامسة مساءً، حين تمكّنت الأجهزة الأمنية من السيطرة علىد الموقف، بعدها بدأنا ببث تلاوات من القرآن الكريم، ثم أُعلِن رسميًا عن استشهاد الرئيس السادات، وكانت لحظة مؤلمة وموجعة، خيّم فيها الحزن على كل من فى الإذاعة، وعلى الوطن بأسره.