مصر وصياغة النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط
تشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات كبيرة خلال العقد الأخير، فرضتها الأزمات المتلاحقة من الحروب الأهلية، وصعود وهبوط الحركات المسلحة، والتقلبات الاقتصادية، وصولًا إلى التدخلات الدولية المتزايدة. في خضم هذه المتغيرات، برزت مصر باعتبارها طرفًا أساسيًا يسعى للمشاركة في إعادة صياغة النظام الإقليمي الجديد على أسس أكثر استقرارًا وتوازنًا.
وفى الحقيقة لعبت مصر دور المركز في السياسة الإقليمية، منذ قيادة العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وحتى دور الوسيط الفاعل في القضية الفلسطينية. ورغم فترات التراجع، استطاعت مصر ان تستعيد رصيدًا دبلوماسيًا يجعلها طرفًا موثوقًا في الأزمات الإقليمية. الوساطات المتكررة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، ودورها في الهدنة الإنسانية بقطاع غزة، مثال واضح على استمرار هذا الدور.
وفي ظل التنافس الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، اختارت مصر نهج سياسة التوازن، فلم تعد منحازة بشكل مطلق لطرف واحد، بل تنسج علاقات استراتيجية متعددة المحاور. هذا النهج يمنحها قدرة على المناورة، وعلى لعب دور الجسر بين الشرق والغرب، وهو ما يجعلها لاعبًا إقليميًا يصعب تجاوزه في أي ترتيبات جديدة.
إذ ترى مصر أن صياغة النظام الإقليمي الجديد لا يمكن أن تتم دون حسم ملفات تمس أمنها القومي مباشرة، مثل ليبيا: حيث تدعم مسار الاستقرار ومنع تمدد الفوضى على حدودها الغربية. وفي السودان تسعى مصر لمنع انفجار الأوضاع بشكل يهدد أمنها المائي والحدودي.
وعن سد النهضة: يمثل تحديًا استراتيجيًا لمعادلة الأمن المائي، ويضع مصر في قلب التفاعلات الأفريقية والدولية.
وأرى إنه لم يعد النفوذ الإقليمي يعتمد فقط على القوة العسكرية أو الدبلوماسية، بل أصبح الاقتصاد والطاقة عنصرًا رئيسيًا. من خلال مشاريع الغاز في شرق المتوسط، والممرات اللوجستية مثل قناة السويس، تسعى مصر لترسيخ مكانتها كمحور اقتصادي حيوي في النظام الإقليمي القادم.
ورغم هذه المقومات، تواجه مصر عدة تحديات منها الأعباء الاقتصادية الداخلية التي قد تحد من قدرتها على توظيف قوتها الناعمة. بالاضافة الى المنافسة الإقليمية مع قوى أخرى.. بالاضافة الى تذبذب البيئة الدولية التي تجعل من الصعب الحفاظ على توازن دائم بين القوى الكبرى.
وفى نهاية مقالى يمكن القول: إن مصر تمتلك فرصة حقيقية للمساهمة في صياغة النظام الإقليمي الجديد بالشرق الأوسط، من خلال الجمع بين الإرث التاريخي، والقدرة على الوساطة، والسياسة المتوازنة، والموقع الاستراتيجي. غير أن نجاحها مرهون بقدرتها على معالجة التحديات الداخلية، وتعزيز أدواتها الاقتصادية، ومواصلة دورها كركيزة للاستقرار في محيط مضطرب.