في ذكرى اشتعالها، هل غيرت ثورة سبتمبر وجه اليمن أم كرست انقسامه؟
في صباح 26 سبتمبر 1962 لم يكن اليمن كما كان من قبل. ضباط من الجيش اليمني، مدعومين بأصداء المد القومي العربي الذي اجتاح المنطقة في عهد جمال عبد الناصر، حاصروا قصر البشائر في صنعاء، وأعلنوا نهاية حكم الإمامة المتوكلية الذي استمر قرونًا.
كيف سقط الإمام محمد البدر؟
سقط الإمام محمد البدر حميد الدين، وأُعلن ميلاد الجمهورية العربية اليمنية برئاسة عبد الله السلال، في مشهد حمل أكثر من معنى، انفتاح على فكرة الدولة الحديثة، وقطع مع عزلة اليمن الطويلة عن العالم.
لكن الثورة لم تكن وليدة لحظة، بل ثمرة تراكمات. اليمن الشمالي في ظل حكم الأئمة كان يعيش عزلة قاسية، حيث التعليم محدود، والطرق والبنية الأساسية شبه معدومة، وحياة الناس تدور في دائرة الفقر والقبيلة.
وكانت هناك محاولات مبكرة للتمرد، أبرزها ثورة 1948 الدستورية، لكنها فشلت. أما في سبتمبر 1962، فقد وجدت الحركة العسكرية–المدنية الناشئة سندًا من القاهرة التي رأت في اليمن ساحة اختبار لمشروعها القومي.
وإعلان الجمهورية لم يُنهِ الصراع بل بدأ فصلًا جديدًا، أنصار الملكية المدعومون من السعودية دخلوا في حرب طويلة ضد الجمهوريين الذين استندوا إلى الجيش المصري في معركة استنزفت الجميع، عرفت بـ“فيتنام مصر” حيث استمر النزاع حتى أوائل السبعينيات حين غاب الملكيون تدريجيًا عن المشهد، لكن بذور الانقسام والاحتراب الداخلي ظلت كامنة في الجغرافيا والسياسة اليمنية.
إرث 26 سبتمبر
إرث 26 سبتمبر لا يزال حاضرًا حتى اليوم. بالنسبة للبعض، هو ميلاد الدولة الحديثة ومحاولة إدخال اليمن إلى العصر الجمهوري. وبالنسبة لآخرين، هو بداية دوامة صراع لم تنتهِ بعد وبين هذين التقييمين، يبقى التاريخ شاهدًا على أن ثورة اليمن لم تكن حدثًا معزولًا، بل جزءًا من خريطة تحولات أوسع في المنطقة العربية خلال ستينيات القرن الماضي.