فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى ميلاده، "هيكل" الجورنالجي الذي سكن قلب السلطة ووجدان الشعب

هيكل مع ناصر والسادات
هيكل مع ناصر والسادات فى الأهرام

 لقب محمد حسنين هيكل بالجورنالجى، فقد كان صحفي لامع ومفكر سياسي بارز، ترك بصمة واضحة في الساحة الإعلامية والثقافية على مدى أكثر من نصف قرن، وأسهمت كتاباته ومقالاته في تشكيل الوعي السياسي العربي، وكانت حاضرة في قلب الأحداث والقرارات المفصلية التي شهدتها البلاد. 

وصفه المستشرق الروسي ألكسي فاسيلييف بأنه "أبرز الصحفيين العرب"، تقديرًا لدوره الريادي وتأثيره الواسع. غاب عن عالمنا في عام 2016، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والكلمة الحرة.

ولد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى مثل هذا اليوم 23 سبتمبر عام 1923 بقرية باسوس محافظة القليوبية، ونشأ بحي الحسين وكان حلمه أن يصبح طبيبا، لكن الظروف حالت دون تحقيق أحلامه نظرا لدراسته بمدرسة التجارة المتوسطة إلا أنه واصل دراسته في القسم الأوروبي بالجامعة الأمريكية، وخلالها تعرف على سكوت واطسون الصحفي المعروف وقتئذ بالإيجيبشيان جازيت ـ المطبوعة الأجنبية الأولى فى مصر ـ  واستطاع عن طريقه أن يلتحق بالجريدة عام 1942 بقسم الحوادث.

 

المشوار الصحفى للاستاذ 

 انتقل  محمد حسنين هيكل للكتابة في مجلة آخر ساعة، حيث قدم تغطيات صحفية لحوادث وباء الكوليرا فى محافظة الشرقية، وحصل بسببها على جائزة فاروق الأول ثلاث سنوات متتالية، ومن أشهر الحوادث التى قام بنشرها حادث حرق الطائرة التى كانت تقل الممثلة اليهودية كاميليا ونشره بعنوان عريض (كاميليا نار احترقت فى النار).

فى 1952 عين رئيسا لتحرير آخر ساعة وهو في التاسعة والعشرين انتقل بعدها إلى الأهرام عام 1957 رئيسا للتحرير وكاتبا لعمود بعنوان " بصراحة " ثم رئيسا لمجلس إدارتها.

هيكل ومضطفى أمين 
هيكل ومصطفى أمين 

 ويحكى الصحفي محمد حسنين هيكل، كيف كان مشواره الصحفى فقال: قابلت الأستاذ محمد التابعي ـــ صاحب آخر ساعة ــ لأول مرة في مكتب هارولد ايرل رئيس تحرير "الجازيت" ـ التي كنت أعمل محررا فيها ـ وفي اليوم التالي دعاني الأستاذ التابعي إلى لقاء معه وعرض على الكتابة في آخر ساعة، فانتقلت من الجازيت إلى آخر ساعة محررا في مجلس النواب، وحين فكر التابعى في بيع آخر ساعة واشتراها مصطفى وعلى أمين، وأبلغنى التابعى أنهما يريدان ضمى اليها، ووجدتني في دار أخبار اليوم محررًا وسكرتيرًا لتحرير آخر ساعة عام 1946 وساعدني على التأقلم الصحفي خفيف الدم والروح كامل الشناوي.

حلاوة أسلوب التابعى 

 وأضاف هيكل: “كانت تجربة العمل مع الأستاذ التابعي ممتعة وأشهد أني تعلمت منه الكثير، لقد وجدتنى شديد الإعجاب بأسلوبه السلس وفى البداية رحت أقلده، وفى الحقيقة كانت تلك مهنيا فترة العثور على توازن معقول بين ثلاث تأثيرات تجاذبتني..عقلانية هارولد إيرل، ورومانسية سكوت واطسون، ثم حلاوة أسلوب محمد التابعي”.

عبد الناص وهيكل انتهت صداقتهما بالموت 
عبد الناصر وهيكل انتهت صداقتهما بالموت 

علاقة الصداقة بين هيكل وعبد الناصر نقلته من خانة الصحفي المقرب إلى المشارك في صنع القرار، والمحرك للعديد من الأحداث، وأحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، يراه السياسيون أنه مفكر عبد الناصر وصاغ الفكر السياسي للزعيم، لم يحصل أي شخص على هذا الدور سوى هيكل حتى انه كان يقول " كان عبد الناصر يتصل بي مرتين، الأولى قبل نومه، والثانية عندما يستيقظ ".

حرب أكتوبر نقطة التحول 

 كانت حرب أكتوبر نقطة تحول بين الجورنالجي هيكل والرئيس، فظلت علاقة هيكل بالسادات جيدة حتى حرب أكتوبر، لكن هيكل رفض طريقة تعامل الرئيس السادات مع انتصار حرب أكتوبر سياسيًا، وكان يرى أن السادات يعطي للولايات المتحدة دورًا أكبر مما ينبغي بعد انتصار تحقق بسلاح جاء من الكتلة الشرقية، وانتهى الخلاف بقرار أصدره السادات بنقل هيكل من الأهرام للعمل مستشارًا للرئيس، وهو ما رفضه هيكل بوضوح، وانتهى الأمر  باعتقاله ضمن حملة سبتمبر 1981.

يقول هيكل عن هذه المرحلة: “لم أترك مكانى فى الأهرام بأمر من السادات معزولا أو مطرودا، وإنما كان القرار بتعيينى مستشارا للرئيس وهو منصب اعتذرت عنه فى نفس يوم صدوره، وأبلغت السادات أن خيارى الذى لا أريد له بديلا هو أن أظل صحفيا، وإذا لم يكن فى مجال فى الصحافة المصرية فإن المجال فسيح فى صحافة العالم العربى والدولى”.

هيكل مع صلاح جاهين وعبد الحليم حافظ 
هيكل مع صلاح جاهين وعبد الحليم حافظ 

 وجاء عهد مبارك وكانت المحاضرة التي ألقاها هيكل فى الجامعة الأمريكية عام 2002، بمثابة رصاصة في قلب نظام مبارك، بعدما قال: إن "السلطة شاخت فى مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم، ومهما كانت الصورة حلوة، فلا بد أن نقول كفاية".. فى إشارة إلى ضرورة رحيل مبارك عن الحكم.

استأذن فى الرحيل 

 اعتزل هيكل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفى بكتابة مقاله ( أستأذن في الرحيل ) في 23 سبتمبر عام ٢٠٠٣ بعد أن أتم عامه الثمانين، لكنه استمر يساهم في إلقاء الضوء بالتحليل والدراسة على تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن مستخدما منبرا جديدا غير الصحف والكتب وهو التليفزيون إلى أن توفي عام 2016.

هيكل ومبارك واتهام بالتوريث 
هيكل ومبارك واتهام بالتوريث 

رأى الكثيرون أن هناك ضرورة لتقديم عمل فنى درامى يقدم حياة هيكل، خاصة أن حياته كلها سواء اتفقنا أو اختلفنا معه هي مادة ثرية لمعرفة أسلوب حياته وكيف صنع مجدا بهذا الحجم حتى أصبح واحدا ضمن أفضل عشرة صحفيين على مستوى العالم، وكانت أولى المحاولات الدرامية التي فكر فى تقديمها الكاتب يسرى الفخرانى بعنوان " الجورنالجى" منذ سبع سنوات ولم يكتمل.

وعند رحيل هيكل منذ سبع سنوات خرجت اقتراحات عن الزاوية التي يمكن الكتابة فيها عن هيكل نشرتها جريدة الشرق الأوسط، فهناك حياته الخاصة منذ الميلاد، وهناك فترة حكم عبد الناصر وهى أخصب فتراته وأكثرها أحداثا وكذلك فترة رئاسته للأهرام، لكن لم تنفذ أى من هذه المشروعات.

بداياته المهنية تستحق عمل درامى 

تعليقا على ذلك قال المخرج الكبير محمد فاضل: “أنا ضد سرد التاريخ وأفضل التركيز على مرحلة من المراحل، واعتقد أن المرحلة الدسمة في مشوار الأستاذ هيكل هي السنوات الأولى في حياته المهنية عندما بدأ كمراسل حربى في حرب ايران والتي شكلت ملامحه السياسية والفكرية”.