من قصص القرآن الكريم، موسى وهارون يخوضان جدالا عنيفا مع فرعون
نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.
فرعون يتحدى موسى وهارون
يروي بعض المفسرين أن الله، سبحانه، أوحى إلى هارون أن يخرج إلى أخيه "موسى" ليتلقاه بالبرية عند جبل حوريب، فلما تلقاه أخبره موسى بما أمره به ربه، فلما دخلا مصر، جمعا شيوخ بني إسرائيل، وذهبا إلى فرعون، فلما بلغاه رسالة الله سألهما: من هو الله؟! لا أعرفه، ولن أرسل بني إسرائيل.
قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
في محكم التنزيل، يقول الله مخبرا عن فرعون: "قال فمن ربكما يا موسى. قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. قال فما بال القرون الأولى. قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى. الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى. كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى. منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" (طه: 49 – 55).
فمن ربكما يا موسى؟
وفي القرآن الكريم، يقول تعالى مخبرا عن فرعون إنه أنكر إثبات الصانع عز وجل، قائلا: "فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى"، أي; هو الذي خلق الخلق، وقدر لهم أعمالا وأرزاقا وآجالا، وكتب ذلك عنده في كتابه اللوح المحفوظ، ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له، فطابق علمه فيهم على الوجه الذي قدره وعلمه; لكمال علمه وقدرته وقدره.
وهذه الآية كقوله تعالى: "سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى" (الأعلى: 1 – 3). أي: قدر قدرا وهدى الخلائق إليه.
"قال فما بال القرون الأولى"، يقول فرعون لموسى: فإذا كان ربك هو الخالق المقدر، الهادي الخلائق، لما قدره، وهو بهذه المثابة من أنه لا يستحق العبادة سواه، فلم عبد الأولون غيره وأشركوا به من الكواكب والأنداد ما قد علمت؟! فهلا اهتدى إلى ما ذكرته القرون الأولى؟! "قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى"، أي; هم وإن عبدوا غيره فليس ذلك بحجة لك، ولا يدل على خلاف ما أقول; لأنهم جهلة مثلك، وكل شيء فعلوه مستطر عليهم في الزبر من صغير وكبير، وسيجزيهم على ذلك ربي، عز وجل، ولا يظلم أحدا مثقال ذرة; لأن جميع أفعال العباد مكتوبة عنده في كتاب لا يضل عنه شيء، ولا ينسى ربي شيئا.
كلوا وارعوا أنعامكم
بعدها، أخذ موسى يعرض له عظمة الرب، وقدرته على خلق الأشياء وجعله الأرض مهادا، والسماء سقفا محفوظا، وتسخيره السحاب والأمطار لرزق العباد ودوابهم وأنعامهم، كما قال: "كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى"، أي; لذوي العقول الصحيحة المستقيمة والفطر القويمة غير السقيمة، فهو تعالى الخالق الرزاق.
"ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى. قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى. فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى. قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضُحى" (طه: 56 – 59). يخبر تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله في تكذيبه بآيات الله، واستكباره عن اتباعها، وقوله لموسى: إن هذا الذي جئت به سحر ونحن نعارضك بمثله.
موعدكم يوم الزينة
وطلب الملك من موسى أن يواعده إلى وقت معلوم ومكان معلوم، وكان هذا من أكبر مقاصد موسى، عليه السلام; أن يظهر آيات الله وحججه وبراهينه جهرة بحضرة الناس، ولهذا قال: موعدكم يوم الزينة وكان يوم عيد من أعيادهم، ومجتمعا لهم وأن يحشر الناس ضحى، أي; من أول النهار، في وقت اشتداد ضياء الشمس، فيكون الحق أظهر وأجلى.
ولم يطلب أن يكون ذلك ليلا في ظلام، كيما يروج عليهم محالا وباطلا، بل طلب أن يكون نهارا جهرة لأنه على بصيرة من ربه، ويقين أن الله سيظهر كلمته ودينه وإن رغمت أنوف المشركين.