فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ترامب يهدد أفغانستان ويطالب باستعادة قاعدة باغرام الجوية.. طالبان ترفض التفريط فيها.. أمريكا تؤكد خسارتها الاستراتيجية.. والسر في التصعيد مع الصين

قاعدة باغرام الجوية،
قاعدة باغرام الجوية، فيتو

قاعدة باغرام الجوية، تحذيرات شديدة اللهجة أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محذرًا طالبان وطالبها بالرضوخ لإرادته بإعادة قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان إلى أمريكا مرة أخرى، بعد استعادة أفغانستان لها عام 2021.

إنذار شديد اللهجة لطالبان من ترامب

أطلق ترامب إنذارًا شديد اللهجة لطالبان، الحاكمة لأفغانستان، وهددها بـ "عواقب وخيمة"، إذا لم تُعد أفغانستان قاعدة باجرام، المعروفة باسم قاعدة باغرام الجوية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مدعيًا أن الولايات المتحدة هي الجهة التي قامت ببناء القاعدة الجوية، وأكد ترامب أنه في حالة رفض تسليم القاعدة قد يفتح الباب أمام ما وصفه بـ "تطورات سيئة" في المنطقة.

وقال ترامب مهددًا طالبان: "إذا لم تُعد أفغانستان قاعدة باغرام الجوية إلينا فستحدث أمور سيئة"، مضيفًا "أسألوا الروس عن طالبان إن كانوا أقوياء أم لا".

يحاول ترامب، منذ أيام، الدخول في معركة جديدة ضد طالبان، حيث طالبها بإعادة قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان، التي تقع على بعد ساعة واحدة فقط من المكان الذي تصنع فيه الصين أسلحتها النووية، حيث أكد المحللون السياسيون أن مطالبات ترامب وتهديداته لطالبان بإستعادة القاعدة الجوية ينبع من هذا الهدف، القرب الشديد من مكان تصنيع الصين لأسلحتها النووية.

لم تتوقف تهديدات ترامب لطالبان منذ أيام، حيث قال: "قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان كلفتنا الكثير ويجب استرجاعها، وسنمنع أي منظمة أمريكية من تقديم المساعدات لأفغانستان إن لم نسترجع 7 مليار من الأسلحة التي تركها الجيش الأمريكي هناك!".

طالبان لترامب: لن تأخذ شبر واحد من أفغانستان


لكن طالبان ردت على تهديدات الرئيس الأمريكي قائلة: "أمريكا لن تأخذ شبر واحد من أفغانستان حتى لو عوّضت الأفغان عن كل القتل والدمار الذي تسببت به، وإمارة أفغانستان الإسلامية مستقلة وليست مرتبطة بأي مساعدات خارجية حتى تُمنع عليها".

ورد ذبيح الله مجاهد، متحدث الحكومة الأفغانية، على تهديدات الرئيس المريكي، التي وصفت بـ "المستفزة"، فقال: "قاعدة باغرام الجوية في قبضتنا وهي ملك للأفغان، ولن تأخذها أمريكا أبدًا حتى بعد مائة عام، والأسلحة التي تركتها أمريكا غنيمة وملك للشعب الأفغاني ولو أرادها أو طلبها أحد فسنرد عليه بنفس الأسلحة وأفغانستان لديها جيش إسلامي قوي يمكنه حماية البلاد ومواجهة كافة التحديات بحزم وواهم من يظن أن الإمارة الإسلامية ستضعف بسبب الدعاية".

وقاعدة باغرام الجوية هي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية سابقة في أفغانستان، تقع في محافظة بروان، قامت القوات الأمريكية ببنائها، وبقيت تحت سيطرتها حتى الانسحاب في 2021، ثم سيطرت عليها طالبان. وتستخدم قاعدة باجرام حاليًا للعمليات الجوية واللوجستية، وهي محور الخلاف الحالي مع تهديدات ترامب الأخيرة.

وأكد المحللون السياسيون أن تهديد ترامب لأفغانستان، ومطالبته باستعادة قاعدة باغرام الجوية، تكشف حجم الغطرسة والاستعلاء للرئيس الأن؛ الذي توعد أفغانستان بالوقوع في أشياء سيئة، في حالة عدم استعادة القاعدة الجوية.

أمريكا استولت على القاعدة من روسيا وأفغانستان استعادتها

البعض يؤكد أن مزاعم ترامب بأن الأمريكيين هم من قاموا ببناء القاعدة ليس صحيحًا، مؤكدين أن ترامب يتجاهل الحقائق التاريخية؛ مشيرين إلى أن قاعدة باغرام الجوية قاعدة قديمة، تعود إلى الحقبة السوفيتية، ثم استولت عليها القوات الأمريكية بعد اجتياح أفغانستان عام 2001، وعندما انسحبت أمريكا عام 2021، تركت القاعدة الجوية خلفها، لتعود إلى أفغانستان مرة أخرى.

وكشف المراقبون السياسيون عن المنشآت الحالية، التي توجد بقاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، والتي تقع تحت سيطرة طالبان منذ 2021، وتشمل المنشآت الحالية: مدرجين (3602 متر و2953 متر)، وثلاث حظائر طائرات كبيرة، مع برج مراقبة، وبعض المبانى الدعمية، بالإضافة لمساحات وقوف طائرات تزيد عن 13 هكتار، أي 130 ألف متر مربع، مع أكثر من 110 حواجز، ومستشفى به 50 سريرًا، وغرف عمليات وعيادة أسنان، ومساكن (B-huts) ولم يُسجل حديثًا تغييرات كبيرة في القاعدة، مع رفض طالبان لمطالب ترامب بإعادة السيطرة الأمريكية، واستعادة قاعدة باغرام الأفغانية.

خسارة أمريكا الاستراتيجية في أفغانستان

الغريب أن افتتاحية صحيفة الـ"واشنطن بوست" علقت على محاولة استعادة أمريكا لقاعدة باجرام الأفغانية، ووصفت استعادة ترامب للقاعدة الأفغانية بالتهديد والوعيد بأنه "أمر ليس سيئًا".

وقالت صحيفة "الواشنطن بوست" إن قاعدة باغرام الجوية شكلت، على مدى ما يقرب من عشرين عامًا من عام 2001 وحتى 2021، رمزًا مترامي الأطراف للقوة الأمريكية في أفغانستان، وقلب التدخل العسكري الأمريكي الطويل هناك، وقد أخلت إدارة بايدن القاعدة سرًا في الأول من يوليو عام 2021، قبل أسابيع قليلة من انسحابها "الفوضوي" من أفغانستان، ثم سلّم الجيش الأفغاني، الذي تُرك للسيطرة على القاعدة، موقعه إلى طالبان.

وتابعت "الواشنطن بوست" الأمريكية افتتاحيتها قائلة: "اليوم، يقول الرئيس دونالد ترامب إنه يريد استعادة باغرام، فقد صرح في لندن يوم الخميس: "لقد منحناهم إياها بلا مقابل… ونحن نحاول استعادتها بالمناسبة... نحاول استعادتها لأنهم يحتاجون منا إلى أشياء"، وهذا أمر جيد، فباغرام تستحق السعي وراءها، وإن لم يكن بأي ثمن".

وتكتسب قاعدة باغرام الجوية الجوية أهمية استراتيجية لدى الأمريكان، بسبب قربها من الحدود مع الصين، وخاصة من موقع تجارب نووية في "لوب نور" بمنطقة نائية في إقليم شينجيانج. 

الصين سر مطالبة أمريكا للعودة إلى باجرام

وكان يُعتقد، منذ فترة طويلة، أن موقع التجارب هذا قد هجرته الصين، لكن التقارير أشارت إلى وجود نشاطات متزايدة للبناء العسكري الصيني هناك، والوجود العسكري الأمريكي في باغرام سيسمح للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات ضد الصين في المنطقة، لكن إستعادة أمريكا لقاعدة باغرام سيؤدي لخوض حربًا مع طالبان سيمتد إلى أوروبا.

ما تريده طالبان أكثر من الولايات المتحدة هو الاعتراف، فما زال مقعد أفغانستان  في الأمم المتحدة بيد الحكومة السابقة، وترغب طالبان في الوصول إلى سبعة مليارات دولار من الأصول المجمدة لأفغانستان في الولايات المتحدة لإنعاش اقتصادها المتعثر.

لكن مسؤولي طالبان غير متحمسون لعودة القوات الأمريكية إلى قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، حيث قال زكير جلالي، مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأفغانية: "لم يقبل الأفغان قط وجود قوات أجنبية على أرضهم عبر التاريخ"، ومع ذلك، هناك مجال للتفاوض، فقد أضاف جلالي تعبيرًا واضحًا، حيث قال: "أفغانستان وأمريكا بحاجة إلى الانخراط في علاقات اقتصادية وسياسية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة". 

بعض السياسيين يؤكدون أن دونالد ترامب يمتلك أوراق ضغط، حيث أعلن وزير خارجية طالبان، أمير خان متقي، والمبعوث الخاص لترامب لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، هذا الشهر أنهما "توصلا إلى اتفاق لتبادل الأسرى، كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن المحادثات حول تمركز قوة أمريكية صغيرة في قاعدة باغرام لا تزال في مراحلها المبكرة.

خطأ الاعتراف بحكومة طالبان 

ووصفت افتتاحية "الواشنطن بوست" الأمريكية أن "الاعتراف بحكومة طالبان الآن سيكون خطأً، إذ إن معاملة النظام البغيضة للنساء والفتيات، واضطهاده لمسؤولي الحكومة السابقة، من غير المرجح أن يتوقفا قريبًا". 

الطائرات التي تركتها أمريكا من قاعدة باجرام الجوية، فيتو
الطائرات التي تركتها أمريكا من قاعدة باجرام الجوية، فيتو


لم تمد سوى روسيا علاقات دبلوماسية كاملة مع حكومة طالبان حتى الآن، بينما أبقت دول مثل الهند واليابان سفاراتها في العاصمة، لكن بإمكان أمريكا فتح سفارة  في كابول، لكن لا يوجد ما يشير إلى أن المقاطعة الدبلوماسية الأمريكية لأفغانستان، بعد أكثر من أربع سنوات على سيطرة طالبان، تمارس ضغطًا فعالًا يدفع الحكومة إلى التراجع، وهناك أطراف أخرى تملأ الفراغ، ومن الأفضل لواشنطن أن تملك نفوذًا أكبر في كابول لا أقل، بحسب الواشنطن بوست..

تريد أمريكا أن يكون لها موطئ قدم في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة، مع استمرار المنافسة مع الصين، لذا تحاول استعادة قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان، وعودة قوة أمريكية صغيرة إلى باغرام. 

وعلق الدكتور عبد الله فهد اللحيدان، الأكاديمي السعودي، فقال: "قال الرئيس الأمريكي ترامب حرفيًا: "نحن نحاول استعادتها"، مشيرًا إلى قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، ووصف موقعها بأنها على بعد ساعة واحدة فقط من منشآت الصين لإنتاج الأسلحة النووية.  باغرام كانت بالفعل قاعدة رئيسية للقوات الأمريكية لمدة عقدين، وموقعها في شمال أفغانستان يجعلها بوابة مثالية لمراقبة آسيا الوسطى، بما في ذلك الحدود مع الصين والباكستان وإيران".

قاعدة باغرام قريبة من المنشآت النووية الصينية

وقال الدكتور عبد الله اللحيدان إن: "الإشارة إلى قربها من منشآت نووية صينية (مثل تلك في شينجيانغ أو مناطق أخرى) ليست مبالغة تمامًا؛ إنها تذكير بأن السيطرة عليها يمكن أن تعزز الردع الأمريكي في مواجهة توسع الصين. في عالم اليوم، مع تصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي وتايوان، فإن مثل هذه القواعد تُعتبر "جواهر استراتيجية" لأي قوة عظمى".

الطائرات تقلع من قاعدة باجرام، فيتو
الطائرات تقلع من قاعدة باجرام، فيتو

وأضاف اللحيدان "الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 2021 (تحت إدارة بايدن) ترك القاعدة لطالبان دون إشعار مسبق، وهو ما يُعتبر خطأ استراتيجيًا كبيرًا في نظر الكثيرين، بما في ذلك ترامب نفسه. الآن، مع عودة ترامب إلى الرئاسة، يبدو هذا التصريح محاولة لتصحيح "الخطأ"، ربما عبر مفاوضات سرية مع طالبان (كما ألمح إليها التقارير).

وأكد اللحيدان أن "استعادة القاعدة ليست مجرد صفقة تجارية؛ طالبان يسيطرون عليها حاليًا، وأي محاولة لاستعادتها قد تؤدي إلى تصعيد عسكري أو دبلوماسي. هل ستعود امريكا إلى حرب أخرى بعد 20 عامًا من النزيف الأمريكي  أم ستكون صفقة اقتصادية، مثل تبادل مساعدات أو إغراءات مالية؟ التصريح يذكر أن "هم يحتاجون أشياء منا"، لكن هذا يبدو متفائلًا جدًا في ظل رفض طالبان.  ربط الأمر بالصين ذكي سياسيًا، لكنه يغفل أن الصين بنت نفوذًا هائلًا في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي (عبر استثمارات في التعدين والطاقة). 

الطائرات في قاعدة باغرام، فيتو
الطائرات في قاعدة باغرام، فيتو

وتابع "استعادة باغرام قد تُفسر كاستفزاز مباشر للصين، مما يزيد من التوترات العالمية دون ضمان فائدة طويلة الأمد. هل هذا يستحق المخاطرة، أم أن التركيز يجب أن يكون على تحالفات أخرى مثل الهند أو قواعد في آسيا الوسطى. صحيح أن باغرام جوهرة استراتيجية، لكن "استعادتها" تبدو خالية من خطط واقعية. قد تكون خطوة جريئة لتعزيز الموقف الأمريكي، فهل  هذا التصريح جزء من استراتيجية أكبر ضد الصين، أم مجرد خطاب انتخابي؟".