فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

حديث الأربعاء

إنها لا تراعي جوار ولا تخشى دار البوار

يؤكد الواقع أن إسرائيل تضرب المربوط والسائب معا حتى يخافها الجميع! يبدو أن المثل الشعبي الذي يقول: "اضرب المربوط يخاف السايب" لم يُشبع أبدا شهوة بني صهيون في القتل والدم والعدوانية، فهم يضربون المربوط والسائب معا، تضرب القريب منها والبعيد عنها حتى يخافها الجميع ويخشاها القاصي والداني..

أصبحت إسرائيل كالثور الهائج الذي لا يكتفي بقتل مُصارعيه داخل حلبة الصراع بل يهاجم من هم خارج تلك الحلبة، تضرب كل من هو على أرض فلسطين المحتلة، وتضرب خارج حدود فلسطين، تضرب جنوب لبنان وتحتله، تضرب سوريا وتحتل أجزاء منها، تضرب إيران، تضرب اليمن، ومؤخرا ضربت قطر وانتهكت سيادة أراضيها.. 

رغم ما بين قطر وإسرائيل من علاقات لا بأس بها وتصب في مصلحة إسرائيل، لكن الأخيرة لا تبالي عهودا ولا مواثيق، لا تقدِّر شرعية دولية ولا إقليمية، ولا تراعي شرعية إنسانية وأخلاقية ولا يراعون في أحد إلا ولا ذمة.

كل هذا وأكثر، ليس بجديد على اليهود منذ نشأتهم وحتى اليوم وربما غدا. إنهم لا يراعون حق جوار ولا يخشون عاقبة دار البوار، تاريخهم ملطخ بالنفاق والمراوغة وبنقض العهود، وبالكبر وبالتعالي وبالصلف والغطرسة والتبجح، والكذب على الله وعلى الناس. 

يكفي تاريخهم الذي أخبرنا به القرآن، مما فعلوه مع نبيهم موسى وأخيه هارون -عليهما السلام- ومعاناتهما من جراء غباوة بني إسرائيل، وهذا ما قصه علينا القرآن عن مسيرة عنادهم ومماطلاتهم وخياناتهم لكل العهود والوعود، ومخالفاتهم لأوامر الله وعصيانهم له ولنبيه.. 

كذلك أكاذيبهم وادعاءاتهم الباطلة على النبي عيسى بن مريم وأمه -عليهما السلام- ومدى معاناتهما الشديدة من جبروت اليهود وإجرامهم، حتى وصل بهم الحد لقتله وصلبه ولو كان قد شُبِّه لهم، لكنهم قتلوا الشبيه وهم على يقين أنه عيسى النبي، قتلوه غلا وحقدا وإجراما، ولم يحرك لهم مشهد الصلب ساكنا، فهم اعتادوا على قتل الأنبياء والصالحين.

منذ بعثة الإسلام واليهود -من فرط غرورهم وتكبُّرهم وتعاليهم ومزاعمهم-؛ يحتقرون العرب، وازداد بغضُّهم وتكبرهم وغِلُّهم وحقدهم، لأن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كان عربيا والقرآن كان عربيا مبينا والمكان أرض العرب. 

لذلك لا غرو ولا عجب فيهود الأمس هم اسرائيل اليوم بكل جبروتهم وقسوة قلوبهم التي كالحجارة أو أشد قسوة. فما زالوا يأكلون أموال العرب وحقوقهم وأراضيهم جهارا نهارا بدون حسيب ولا رقيب ولا رادع.

فهل ما زال العرب أميين لا يعرفون للعلم المقدِّم طريقا، ولا للفكر الخلّاق دربا، ولا للرقي والقوة مسعى، ولا للوحدة جمعا ولا للتقدم سببا، حتى أصبحنا تابعين مستضعفين، كأننا مُغيَّبون عن الواقع الأليم، فلا نبصره ولا نتعلم من دروسه المتتالية كأننا لم نقرأ قول الله فيهم:{وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون}.. 

ألم تقرأ تفسير الآية حين يقول أحد المفسرين: "والذي أوجب لهم الخيانة وعدم الوفاء إلى العرب بأنهم زعموا أنه ليس عليهم في الأميين سبيل أي: ليس عليهم إثم في عدم أداء أموالهم إليهم، لأنهم بزعمهم الفاسد ورأيهم الكاسد قد احتقروهم غاية الاحتقار، ورأوا أنفسهم في غاية العظمة".

ما زال اليهود يعتبروننا جهلة متخلفين رجعيين لا نملك غير سيف العنف والتطرف والإرهاب، بينما يعتقدون زعما وكذبا وتلفيقا؛ أنهم شعب الله المختار، فاستحلوا أموالنا وأراضينا على أنها حقهم المشروع!

لقد كان احتلال الغرب اليهودي للدول العربية على مدار سنوات لظلم عظيم، وحين استطاع الشرفاء الأبطال طردهم من بلادنا؛ لم يكن من السهل عليهم ترك هذه المنطقة بدون علة تجعل لهم ذريعة للعودة في أي وقت.. 

فكان وعد بلفور المشئوم الذي أتاح لبريطانيا غير العظمى أن تزرع هذا الكيان المغضوب عليه في قلب الأمة! نعم زرعتها بريطانيا وروتها أمريكا ولا تزال خير راوٍ لها ولو بدماء الشهداء من الكبار والصغار من النساء والرجال.. 

وذلك ولا يخفى على أحد سابقا ولاحقا وما يحدث حاليا لهو خير شاهد على أشياء كثيرة ومريرة!، ففي ذات الوقت الذي يجتمع قادة العرب في قمة الدوحة؛ كان وزير خارجية أمريكا في أحضان تل أبيب يبارك الضربات الموجهة إلى غزة، في اليوم التالي لإنتهاء القمة.

على مدار خمسة عشر قرنا من التقويم الهجري، وكتاب الله بين أيدينا، وما زلنا أمة اقرأ لا تقرأ، ولا تفقه، ولا تتدبر، ولا تفكر، ولا تزرع، ولا تصنع، ولا تنتج شيئا سوى الكلام ثم الغوص في لجج الطائفية والتطرف والمذهبية ومستنقع التعصب الأعمى! وفي صراعات مزيفة وجدليات لا طائل من ورائها ولا من أمامها! 

وحتى الآن لم يجمعنا نص موحد، ولم ينفعنا عقل متوافق.. فقط نعيش في صراعات الماضي وتداعياته فانشغلنا عن الحاضر، ولم ننتبه أننا أصبحنا مجرد كائنات هشة تطفو على سطح محيط العالم الثالث، حتى صرنا لعبة في أيديهم الملطخة بدماء صغارنا وكبارنا، لقمة سائغة في أفواههم النتنة. 

وتبقى مصر شوكة مضنية، وغُصة عالقة في حلوقهم، فهم يعرفون مصر تمام المعرفة، ويعرفون أن مصر غير.. حفظ الله مصر أرضا وشعبا وقيادة وجيشا.
Nasserkhkh69@yahoo.com