فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص القرآن الكريم، هروب موسى من مصر بعد قتل المصري

هروب موسى من مصر
هروب موسى من مصر بعد قتل المصري، فيتو

نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.

لماذا هرب موسى من مصر؟

ذكَّر الله موسى بكل تلك التفاصيل ليلة كلمه، فقال له فيما قال: "ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني" (طه: 37 - 39). فكان لا يراه، عليه السلام، أحدٌ إلا أحبه، "ولتُصنعَ على عيني": أي تُطعم وترفه وتُغذى بأطيب المآكل، وتلبس أحسن الملابس; بمرأى مني، وذلك كله بحفظي وكلاءتي لك فيما صنعت بك ولك، وقدَّرته من الأمور التي لا يقدر عليها غيري. 

"إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا" (طه: 40). 

ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما

"ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين. ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم. قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين" (القصص: 14 – 17). 

وعندما ذكَّره تعالى أنه أنعم على أمه برده إليها، وإحسانه بذلك، وامتنانه عليها، شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى؛ وهو احتكام الخلق والخلق، وهو سن الأربعين، في قول الأكثرين، آتاه الله حكما وعلما؛ وهو النبوة والرسالة التي كان بشر بها أمه، حيث قال: "إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين"، ثم شرع في تبيان سبب خروجه من مصر، وذهابه إلى أرض مدين وإقامته هنالك، حتى كمل الأجل، وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له، وإكرامه بما أكرمه به كما سيأتي.

ويستكمل القرآن الكريم: "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها". قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والسدي: وذلك نصف النهار.

وفي رواية عن ابن عباس: بين المغرب والعشاء، "فوجد فيها رجلين يقتتلان"، أي: يتضاربان ويتهاوشان، "هذا من شيعته"، أي: إسرائيلي، "وهذا من عدوه"، أي: قبطي. 

"فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه"، وذلك أن موسى، عليه السلام، كانت له بديار مصر صولة، بسبب نسبته إلى تبني فرعون له وتربيته في بيته، وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وتقووا به، وصارت لهم وجاهة، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم أرضعوه، وأنهم أخواله، أي من الرضاعة، فلما استغاث ذلك الإسرائيلي بموسى، عليه السلام، على ذلك القبطي، أقبل إليه موسى فوكزه.

موسى يقتل المصري

قال أحد المفسرين: أي طعنه بجمع كفه. وقال بعضهم: بعصا كانت معه، "فقضى عليه"، أي: فمات من الضربة. وقد كان ذلك القبطي كافرا مشركا بالله، ولم يرد موسى قتله على الإطلاق، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا قال موسى: "هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم. قال ربِّ بما أنعمت علي..."، أي: من العز والجاه، "فلن أكون ظهيرا للمجرمين".

نصيحة لموسى بالهروب

"فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين. فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين. وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين. فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين" (القصص: 18 – 21). 

يقص القرآن الكريم أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفا أي من فرعون وملئه، أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، ويترتب على ذلك أمر عظيمٌ، فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم خائفا يترقب، أي: يتلفت.. وبينما هو كذلك، إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه، أي: يصرخ به، ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره، ومخاصمته، قال له إنك لغوي مبين، ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي، الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي، فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك، وأقبل على القبطي "قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين" (القصص: 19). 

إنك لغوي مبين

رأى بعض المفسرين أنه إنما قال هذا الكلام الإسرائيلي الذي اطلع على ما كان صنع موسى بالأمس، وكأنه لما رأى موسى مقبلا إلى القبطي، اعتقد أنه جاء إليه لما عنفه قبل ذلك بقوله إنك لغوي مبين فقال ما قال لموسى، وأظهر الأمر الذي كان وقع بالأمس، فذهب القبطي فاستعدى فرعون على موسى. وهذا الذي لم يذكره كثير من الناس سواه. ويحتمل أن قائل هذا هو القبطي، وأنه لما رآه مقبلا إليه خافه؛ ورأى من سجيته انتصارا جيدا للإسرائيلي، فقال ما قال من باب الظن والفراسة، أن هذا لعله قاتل ذاك القتيل بالأمس، أو لعله فهم من كلام الإسرائيلي، حين استصرخه عليه، ما دله على هذا.

ومعنى ذلك أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس، فأرسل في طلبه، وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب إليه، وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ساعيا إليه مشفقا عليه، فقال: "يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج"، أي: من هذه البلدة، "إني لك من الناصحين"، أي: فيما أقوله لك. 

قال الله تعالى: "فخرج منها خائفا يترقب"، أي: فخرج من مدينة مصر من فوره، على وجهه، لا يهتدي إلى طريق ولا يعرفه، قائلا: "رب نجني من القوم الظالمين".