فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

زي النهارده، هكذا دخلت المجر تحت التاج العثماني 150 عامًا

معركة سليمان القانوني،
معركة سليمان القانوني، فيتو

لم تكن المجر مجرد ساحة معركة عابرة في زمن التوسع العثماني، بل كانت قلبًا أوروبيًا نابضًا بالموارد والموقع الاستراتيجي، أشبه بجسر يربط الشرق بالغرب. لهذا كان السلطان سليمان القانوني يرى السيطرة عليها مفتاحًا لتعزيز نفوذ الدولة العثمانية في أوروبا الوسطى، ودرعًا تحمي حدود البلقان من أي هجوم مسيحي مضاد.

كواليس اندلاع معركة موهاج

معركة موهاج اشتعلت عام 1526 وجسّدت هذه الرؤية. على سهول موهاج جنوب بودابست، التقى جيش عثماني منظم، مدعوم بمدفعية متطورة وخبرة طويلة في القتال، بجيش مجري يقوده الملك الشاب لويس الثاني، يفتقر للتجهيزات الحديثة ويعتمد أكثر على الفروسية التقليدية.

لم يستغرق الأمر سوى ساعات قليلة حتى تحولت المواجهة إلى مجزرة، قُتل فيها الآلاف من المجريين، وغرق الملك أثناء محاولته الفرار. ووصف المؤرخون المجريون ما جرى بأنه "كارثة وطنية" حطمت العمود الفقري للمملكة المجرية.

ودخل سليمان القانوني إلى بودا بعد أسابيع، فأصبحت المجر ولاية عثمانية. لكن هذه السيطرة لم تكن كاملة ولا مستقرة، إذ انقسمت البلاد إلى ثلاثة كيانات: المجر الوسطى تحت الحكم العثماني، والمجر الغربية والشمالية تحت هيمنة آل هابسبورغ، بينما نشأت إمارة ترانسلفانيا بينهما ككيان شبه مستقل. هذا الانقسام جعل المجر ميدانًا لصراع طويل بين الشرق والغرب.

رد الفعل الأوروبي لم يتأخر. النمسا اعتبرت أن السقوط المدوّي لبودا يهدد فيينا نفسها، فبدأت في بناء خطوط دفاعية قوية. أما البابوية فقد أطلقت دعوات متكررة لحملات صليبية جديدة، لكن أوروبا المنقسمة بين الحروب الداخلية لم تستطع تقديم رد موحّد.

ورغم بقاء الحكم العثماني في المجر أكثر من 150 عامًا، فإن المجتمع المجري لم يذُب داخل الثقافة العثمانية. السبب يعود إلى تمسك النخبة المجرية بالكنيسة الكاثوليكية كلحمة اجتماعية، وإلى استمرار المقاومة المسلحة في الريف. كما أن الانقسام السياسي منح القوى الأوروبية موطئ قدم دائم، ما حال دون صهر المجتمع بالكامل في الهوية العثمانية.

كلمة النهاية، معركة فيينا الثانية

الخلع النهائي للعثمانيين جاء مع هزيمتهم في معركة فيينا الثانية عام 1683، وما تبعها من حملة عسكرية كبرى قادها آل هابسبورغ انتهت باستعادة بودا عام 1686. خرج العثمانيون مخلفين وراءهم إرثًا مزدوجًا: بنية عسكرية ومعمارية ما زالت آثارها باقية حتى اليوم، وذاكرة قومية مجرية ترى في موهاج رمزًا للفقدان والانكسار.

ورغم قسوة تلك الحقبة، فإنها أسهمت في صياغة الهوية المجرية الحديثة، كأمة تقف على تخوم الشرق والغرب معًا، لا تنصهر في أي منهما بالكامل. وهكذا تحولت ذكرى موهاج إلى أكثر من مجرد معركة، بل إلى مرآة عاكسة لصراع طويل بين حضارتين على قلب أوروبا.