الفلسطينيون والانتداب البريطاني، ذكرى الرفض الأول لخرائط الغرب في المنطقة
في مطلع القرن العشرين، وفي مثل هذا اليوم من عام 1922 انعقد مؤتمر نابلس ورفض الفلسطينيون الانتداب البريطاني عليهم.
وكانت فلسطين على موعد مع واحدة من أكثر اللحظات إرباكًا في تاريخها السياسي: إعلان الانتداب البريطاني عليها عقب الحرب العالمية الأولى. والانتداب لم يكن مجرد إدارة عسكرية أو وجود مؤقت، بل مشروع صاغته القوى الاستعمارية الكبرى تحت مظلة "عصبة الأمم" ليمنح بريطانيا سلطة شبه مطلقة على أرض فلسطين، مع وعدٍ مُبكر بتمهيد الطريق لإنشاء وطن قومي لليهود، استنادًا إلى "وعد بلفور" 1917.
متى بدأ الانتداب البريطاني؟
الانتداب البريطاني بدأ رسميًا عام 1920 واستمر حتى عام 1948، حين أعلنت بريطانيا إنهاء وجودها وسحبت قواتها تاركةً الأرض في أتون حرب لم تنطفئ نيرانها حتى اليوم.
وقد بررت لندن حينها أن مهمتها "تهيئة الشعوب غير المستقلة لبناء دولها"، لكن الوثائق البريطانية نفسها تكشف أن فلسطين اعتبرت موقعًا استراتيجيًا لخطوط الملاحة وقناة السويس، فضلًا عن كونها حلقة أساسية في خريطة التوازنات الإمبراطورية.
الفلسطينيون، منذ اللحظة الأولى، رفضوا الانتداب. لم يكن رفضًا عاطفيًا بل موقفًا سياسيًا واضحًا عبّرت عنه المؤتمرات الوطنية الأولى (1919 – 1920)، والبيانات التي اعتبرت أن قبول الانتداب يعني شرعنة مشروع استيطاني أجنبي على الأرض العربية.
وقد ربطت الحركة الوطنية الفلسطينية بين الانتداب ووعد بلفور، ورأت أن الاثنين وجهان لخطة واحدة: نزع السيادة عن أهل البلاد لصالح مشروع استيطاني غربي.
هذا الرفض تُرجم سريعًا إلى انتفاضات متكررة: ثورة يافا 1921، أحداث البراق 1929، وثورة 1936 الكبرى، وكلها أشكال من العصيان ضد الاحتلال البريطاني وسياساته. الباحث البريطاني أرنولد توينبي وصف في أحد تقاريره أن "ما يواجهه الانتداب في فلسطين ليس تمردًا عابرًا بل رفض وجودي لمفهوم الإدارة المفروضة من الخارج".
ثمن ثورة فلسطين ضد الانتداب
لكن الثمن كان باهظًا. بريطانيا ردت بسياسات قمعية شديدة، من قوانين الطوارئ إلى الاعتقالات والنفي، وصولًا إلى دعم الهجرة اليهودية بشكل منظم، ما أدى إلى تغيير ديمغرافي عميق في البلاد.
ومع كل انتفاضة فلسطينية، كانت بريطانيا تزيد تسليح العصابات الصهيونية وتترك لها هامشًا أوسع للحركة، وهو ما مهّد لاحقًا لولادة "جيش الهاغاناه" وغيره من التنظيمات المسلحة التي لعبت الدور الأبرز في حرب 1948.
الرفض الفلسطيني للانتداب لم يمنع سقوط فلسطين تحت وطأة المشروع البريطاني – الصهيوني، لكنه منح الذاكرة الوطنية جذورها الأولى. لقد تحول ذلك الرفض إلى سردية مقاومة مستمرة من المظاهرات الأولى ضد صك الانتداب، حتى الانتفاضات الشعبية في أواخر القرن العشرين. اليوم، بعد مرور أكثر من مئة عام، لا يزال السؤال الذي طرحه الفلسطينيون عند بداية الانتداب قائمًا: من يملك حق تقرير المصير فوق هذه الأرض؟