نزيف السكاكين، هكذا تتحول المشاجرة إلى مأساة والعقوبة وحدها لا تكفي لعلاج "البلطجة"
لم تعد الخناقات في الشارع المصري مجرد خلافات عابرة، بل تحولت إلى ساحة دم تستخدم فيها الأسلحة البيضاء، لتترك وراءها ضحايا بعاهات مستديمة تغيّر مسار حياتهم بالكامل. فقدان عين، بتر يد، أو تشوه دائم في الوجه، كلها مشاهد مأساوية تتكرر، وتفتح سؤالًا حول جدوى الردع القانوني في مواجهة ثقافة عنف تتجذر يومًا بعد يوم.
مشاجرات الشارع بين الردع والعقوبة
المادة 240 من قانون العقوبات واضحة: أي اعتداء يؤدي لعاهة مستديمة يُعاقب بالسجن من 3 إلى 10 سنوات، وتصل العقوبة للمؤبد إذا اقترن الفعل بترصد أو سبق إصرار. ورغم صدور أحكام مشددة في قضايا أثارت الرأي العام، مثل فقدان شاب لعينه أو بتر يد آخر، إلا أن تكرار الحوادث يكشف أن العقوبة وحدها لا تكفي.
هل الحوادث مجرد قضايا جنائية؟
هذه الحوادث لم تعد مجرد "قضايا جنائية"، بل انعكاس لخلل اجتماعي أعمق بسبب انتشار الأسلحة البيضاء، ضعف الوعي، وتصاعد ثقافة الانتقام، وكلها عوامل قد تُحوّل مشاجرة عابرة إلى مأساة دائمة. لذلك يرى خبراء أن المواجهة الحقيقية لا تبدأ من المحكمة فقط، بل من المجتمع نفسه عبر التوعية وتجفيف منابع البلطجة.
جدير بالذكر أن كلمة البلطجة في أصلها ليست مرتبطة بالعنف، بل تعود إلى بدايات القرن العشرين حيث استُخدمت للإشارة إلى استعراض القوة وفرض النفوذ في الأحياء الشعبية ومع مرور الوقت، اكتسبت الكلمة معنى أوضح؛ لتدل على سلوك منظم يقوم به أفراد أو جماعات لفرض السيطرة باستخدام الترهيب أو العنف الجسدي.
في مصر، ارتبطت البلطجة تاريخيًا بمرحلة الانفلات الأمني، وظهرت كأداة لابتزاز الأفراد والتجار أو لحسم نزاعات محلية بعيدًا عن سلطة القانون. ومع تزايد معدلات الفقر والبطالة، اتسعت الظاهرة لتشمل أعمال عنف في الشارع، تحولت أحيانًا إلى جرائم كبرى مثل القتل أو إحداث عاهات مستديمة.
والقانون المصري لم يقف صامتًا أمام هذه الممارسات، فصدر قانون "البلطجة" عام 2011 لتشديد العقوبات على جرائم الترويع والاعتداء، بما يصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام إذا ارتبطت الجريمة باستخدام السلاح أو نتج عنها وفاة.
ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو معالجة جذور الظاهرة اجتماعيًا وثقافيًا، لا الاكتفاء بالملاحقة الجنائية وحدها.