فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الحرب قادمة وعدونا فينا

نُسب إلى وزير دفاع العدو موشي ديان أنه قال: "إن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون"، ويبدو أن المقولة تنطبق كثيرًا على أمة لم يعد لديها مشتركات، لا في الدين، ولا في اللغة، ولا في العادات، ولا في التاريخ.

كرسي العرش في بلادنا

لم يعد العرب يتحدثون نفس اللغة، فالمفردات أصبحت تكتسب معاني ترتبط بالحكام، والحكام لا تجري في عروقهم دماء عربية، والتاريخ أصبح حديثًا جدًا يُقاس باللحظات التي قضاها كل حاكم فيهم على كرسي العرش، وكرسي العرش في بلادنا إنما يكتسبه الواحد منهم بالقوة الجبرية، فهو يأتي من حيث نعلم ولا نعلم، ويقبع على صدر وطنه حيث يريد، ويكتب فصول تاريخه حيثما يرى، وعادةً ليس للشعوب أن ترى إلا ما يرى.

ولا يهمني في تلك اللحظة، بالغة الأنانية سياسيًا، إلا بلدي، فطالما قال جحا: إن النار التي انتشرت في القرية لم تصل بيتي، فلا أبالي، فأنا مثل جحا في لحظته الأنانية، ما يهمني وطني الذي تحمّل وزر هذه الأمة لعقود مضت، وسيتحمّل مسؤولياته لعقود قادمة، فالدور الذي علينا إنما فرضته الجغرافيا، ورسخته حوادث الدهر.

استفزازات العدو تتكرر يوميًا، ويخطئ من يتوهم أن غزة ليست بيتي، وأنني لست جحا، وأن الحريق قادم لا محالة، المطلوب للعدالة دوليًا بنيامين نتنياهو، أشار لمرات، بل أفصح في غير مرة، أنه يسعى إلى هيمنة إسرائيل الكبرى على المنطقة، وأعلن ضمنيًا ضم أراضٍ من مصر والسعودية وسوريا والعراق والأردن ولبنان.

هل لدينا القدرة على الحرب؟ 

هل بيتي جاهز لقتال طويل؟ هل دارنا جاهزة لمواجهة حريق في الطريق؟ هل ذاكرنا ما جرى في حروب سابقة؟ هل قرأنا الماضي وتعلمنا الدرس؟ هل لدينا القدرة على الحرب؟ هل سنردّ الماء صفوًا ليشرب العدو كدرًا وطينًا؟ أم أننا نغوص في وحل لم يعد خافيًا على فاقدي البصر والبصيرة؟

هل جبهتنا الداخلية صلبة، قوية، عفية، قادرة على الصمود في مواجهة الأنواء؟ هل ما نراه في الشارع... كل شارع... شارع السياسة، وشارع الاقتصاد، وشارع الناس، يشي بأننا على أبواب حرب يخطط لها العدو في النهار، ويعلن عن تفاصيلها في الفضائيات، ويستعد لها عيانًا بيانًا على مرأى ومسمع من الجميع؟

أحسب أني لا أرى في شوارع مصر ما يشي بأن بلادنا يمكن أن تكون جاهزة، وأظن أن ما يجري على الساحة الداخلية لا يُعلن عن جاهزية، لا الحكومة حكومة، ولا الوزراء وزراء، ولا الاقتصاد اقتصاد، ولا الناس جُهّزوا أو جهِّزوا لقتال ضد عدو غاشم، إن ضرب ضربته الأولى انتصر، فلا وقت للانتظار.

الفساد العفن

الأداء العام بعافية، حكومة صيف تقضي معظم أوقاتها على شاطئ فيروزي مدهش، ووزراء من عينة: "تمام يا فندم"، ومجتمع مبعثر يلهث وراء بث إعلامي يصنعه تجار المخدرات، وتجار الجنس، وتجار البشر، ودولة تسبح فوق بحيرة من فساد عفن، طرح للوجود أغنياء جدد من مصاصي الدماء.

هل قرأنا المشهد العبثي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهو يطالب بضرورة احتمال الضربة الأولى كما فُرض عليه من الروس والأمريكان؟ فكانت الضربة قاصمة، ندفع ثمنها حتى اليوم، هل ندرك أن الحرب ليست تموينًا يكفينا ستة أشهر؟ هل نعلم أن الجبهة الداخلية هي الوعاء الحامي لأي وطن؟

فما ملامح الجبهة الداخلية الآن؟ منقسمة، مهترئة، هزيلة، ضعيفة، متناحرة، تعيش يومًا بيوم، ساعةً بساعة، وما هي مناطق القوة في إعلام اليوم؟ بلوجرز، تيك توكرز، فلونسرز، وصحف تقتات الهزيل من المعلومات، وتنشر على العامة قيئًا أسود بلون المرحلة الغامضة في تاريخ البلاد.

 

الحرب قادمة، لا ريب فيها، وعدونا ليس في كيان متضخم الذات، متساند على القوى الكبرى، عدونا فينا، عدونا في الإهمال واللامبالاة، والاعتقاد –وهْمًا- أن الصوت أبلغ من السيف، وقديمًا قال الشاعر العربي:

السيف أصدق أنباءً من الكتبِ
في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ

فهل جهزنا سيف المقاتل، وطوينا عبث الجعجعة التي ألقت بنا في غيابات الهزيمة، التي لم ننسَ مرارتها حتى اليوم؟