المسكوت عنه فى أزمة الجيزة
إذا أردت معرفة حجم ما أنفقته مصر استثمارًا في قطاع الكهرباء، ستدخل إلى متاهة لن تصل معها إلى نهاية، وخلاصة البحث أن حجم ما أنفقناه على هذا القطاع في عهد محمد شاكر، الذى كان ينفق من القروض كمن لا يخشى الفقر، حتى لو كان متجهًا لإفقار مستقبل البلاد والعباد، قد وصل إلى 886 مليار جنيه.
هذا الرقم ليس دقيقًا، ولكنه الأقرب إلى الدقة، أنفقنا على التوليد والنقل وقطاع الطاقة المتجددة وكل مناحى الاستثمار فى هذا القطاع، وكان الوزير السابق يعشمنا بأننا سنصبح مركزًا للطاقة فى الشرق الأوسط، كما وعدنا بذلك وزراء البترول المتعاقبون بأننا سنصبح مركزًا للغاز، وفى النهاية لم نصبح لا هذا ولا ذاك.
تحدث الوزراء والخفراء عن الربط بين مصر وقبرص، وبين مصر واليونان باعتبارهما المدخل إلى أوروبا، والربط بين مصر والسعودية، وبين مصر والأردن باعتبارهما المدخل إلى آسيا، وربطنا بيننا وبين السودان وليبيا باعتبارهما المدخل إلى أفريقيا، ونسينا الربط مع محافظة الجيزة!
جملة ما صدّرناه لا يتجاوز 0,9٪ من حجم إنتاجنا، أى لم يصل إلى 1٪، ولعل أزمة انقطاع التيار الكهربائى عن بعض مناطق محافظة الجيزة، التى تُعد واحدة من محافظات القاهرة الكبرى، تثبت أننا ننفق دون وضع خطط طوارئ لأزمات تُعد بسيطة بالقياس إلى حجم الإنفاق.
وأزمة انقطاع الكهرباء والماء عن بعض مناطق الجيزة أثبتت أن الإدارة المصرية للأزمات حدث ولا حرج، نعيش في «البلالة»، و«البلالة» مصطلح شعبى يشير إلى الغيبوبة؛ غيبوبة من يتعاطون «الأيس»، وما أكثره فى شوارع المحروسة، والمحروسة فى التعريف الدقيق هى بَرّ مصر، جملة لا قطاعي.
مشهد الجماهير وهى تحمل الجراكن في الشوارع يخض أى إنسان عاقل، أى إنسان يتابع حجم الإنفاق الذى ورّطنا في ديون لا يعلم إلا الله إلى أين تسير بنا، وإلى أين تحط نهاياتها الكارثية على مستقبل البلاد، مشهد مرعب، مشهد لا يتطلب أن يقدم محافظٌ اعتذارًا، وإنما يفرض علينا إعادة دراسة الأمر بتأنٍ وشفافية.
ولم تكن أزمة كهرباء ومياه الجيزة هى الأولى التى تؤكد أننا نعيش يومًا بيوم، وليس لدينا أى خطط طوارئ لتفاصيل هى في الأصل عادية، ويجب أن تكون معتادة، وحلولها بسيطة وفي المتناول، هناك أزمة احتراق سنترال رمسيس التى لا يزال تأثيرها ساريًا حتى تاريخه.
كلتا الأزمتين تمثلان صورة حقيقية لما وصلت إليه أحوالنا، وما وصل إليه الأداء الحكومى من ترهُّل، وقد سبق ذلك أزمات من عينة “شوية مطرة” تُصيب الشوارع بالشلل، ونصبح فرجة أمام العالم الذى يطالع ناطحات السحاب التى نبنيها في صحارى مصر الواسعة.
أما حديث رئيس الحكومة الدائم عن حروب الجيل الرابع، فمع ما يجرى على أرض الواقع، يؤكد أن مدبولى وحكومته يعيشون في الجيل الأول، جيل حروب السيف الحجري. وإن تفاءلنا أكثر، فإنّه وحكومته يعيشون أجيال حرب المنجنيق والحصان والرمح والسيف.
يريد مصطفى مدبولي وأقرانه أن ينشروا الوعي لدى الناس بأن حروب الجيل الرابع تبدأ بتشكيك المواطن في قدرات الدولة، دون أن يدرى أنه بأدائه وأداء وزرائه هم أبطال التشكيك، وعناصر ضرب البلاد بحروب الجيل الرابع التى يطل علينا يوميًا خمس مرات وهو يحدّثنا عنها، وهو المتورط فيها.
هل مشهد الجراكن، وغرق الحكومة في شبر ميه، وإصابة النظام بالخلل أمام أزمة احتراق سنترال، يقنع المواطنين بأنهم يعيشون مع حكومة لديها القدرة على مواجهة حرب، مثلًا، أو مسيّرة طائشة من بلد معادٍ، أو اختراق من بلد كنا نتصور أنه صديق؟
كل المشاهد ليست إلا ترجمة حقيقية للتشكيك دون مجهود، فالعدو ليس بحاجة إلى نشر مواد تدفع المواطن للشك في قدرات بلاده؛ المواطن يعيش داخل هذه الأزمات التى تقدم نموذجًا للامبالاة، والإهمال، والعجز، والإحساس بأننا نعيش في ظل حكومات عفا عليها الزمن وتجاوزها وبالٌ عليها!!