رئيس التحرير
عصام كامل

سيناريوهات الأيام الصعبة.. تحركات كبيرة للهروب الاشتراطات المستحيلة لـ«صندوق النقد الدولي»

أرشيفية
أرشيفية

حدد صندوق النقد الدولى مطالبه من الحكومة المصرية من أجل حصولها على القرض الجديد، مؤكدا أن مصر بحاجة إلى "تقدم حاسم في إصلاحات مالية وهيكلية أعمق" لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد وجعله أكثر مرونة في مواجهة الصدمات، وهو ما رآه البعض شروطا صعبة وتضع رؤية سيتضرر منها المواطن المصرى إذا تقلص دعم الإنفاق الصحى والاجتماعى المخصص لحماية الفئات الضعيفة بزعم تحقيق انتعاش مستدام مع تحقيق نمو أعلى وأكثر شمولًا، وخلق فرص أفضل للنمو وهو ما يضع حمولات زائدة على كتف المفاوض المصرى الذى يذهب وعينه على المواطن والدولة وأموال القرض فى الوقت نفسه.

كان الصندوق خفض توقعاته للنمو فى مصر بنسبة 0.2% ليصل إلى 4.8% خلال العام المالى الجارى، وبالتوازي توقع استمرار التضخم عالميا حتى نهاية 2023، فيما كان البنك المركزى المصرى قد أعلن عن تراجع صافى احتياطى النقد الأجنبى إلى 35.5 مليار دولار مسجلًا انخفاضا بنحو ما يقرب من 2 مليار دولار مقارنة بشهر أبريل الماضى.

فما هي سيناريوهات المستقبل؟.. وهل تستطيع مصر مواجهة الشهور الصعبة القادمة؟.. وما مدى إمكانية نجاح إجراءات الحكومة في حماية الطبقات الأكثر احتياجا؟

أزمة عالمية وليست مصرية

تقول حنان رمسيس، خبير أسواق المال، إن مصر تمر الآن بأزمة اقتصادية مثل دول العالم كافة، ووصلت نسب التضخم لمستويات قياسية انعكست على قرارات البنوك المركزية العالمية برفع أسعار الفائدة ومن المتوقع أن تصاب هذه الاقتصاديات بالركود.

وتابعت: مصر ستستجيب لشروط الصندوق النقد الدولى للحصول على قرض جديد ليس عن اضطرار ولكن عن اقتناع، إذ انتهجت مصر سياسات اقتصادية لإعادة هيكلة الوضع الاقتصادى، وقامت بالعديد من الإصلاحات المالية والهيكلة، إذ تدرك مصر أهمية تعظيم دور القطاع الخاص.

وأضافت: تعمل مصر جاهدة لدمج الاقتصاد غير الرسمى تحت مظلة الاقتصاد الوطنى، وإضافة إلى إعلان الدولة التخارج من بعض القطاعات مثل التكنولوجيا والاتصالات والنقل، مشيرة إلى أن خروج الدولة من هذه القطاعات لن يكون خروجًا كاملًا بل مراقبا.

وتوقعت رمسيس استمرار تثبيت البنك المركزى المصرى لأسعار الفائدة، معللة ذلك بأنه ينتهج سياسة تيسيرية، لافتة إلى أن مصر تحتاج للخروج من الأزمة الراهنة إلى انتهاج سياسات مالية جديدة بعيدة كل البعد عن الاستدانة والقروض.

فى نفس السياق، توقعت الدكتورة عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة، استجابة مصر لشروط صندوق النقد الدولى للحصول على القرض الجديد فى محاولة من الحكومة لزيادة الاحتياطى النقدى من العملة الأجنبية، التى تراجعت بسبب عدم تزايد معدلات مصادر النقد الأجنبى بالقدر الذى يلبى احتياجات الاقتصاد المصرى فى سداد المديونية المتزايدة.

وأشارت المهدى إلى أنه للخروج من الوضع الاقتصادى الراهن ينبغى مواجهة تحديات كبرى على رأسها كيفية تعظيم الإيرادات المعززة للنقد الأجنبى، وزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار الأجنبى، وتنشيط معدلات السياحة.

وأوضحت الدكتورة عالية المهدى أنه ليس على الدولة دعم المواطنين بضمهم فى برامج الحماية الاجتماعية فقط، بل الأهم من ذلك العمل على تخفيض معدلات التضخم، وهذا لن يتم إلا بمزيد من الإنتاج والعمل، وأن تكون الدولة وقت الأزمات نموذجًا يقتدى به فى عدم زيادة أسعار منتجاتها مثل الوقود.

أما علي عيسى، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، فيرى أن التضخم فى العالم وفى مصر يعنى بالتبعية ارتفاع الأسعار، وهذا لن يكون فى صالح المستهلك أو المنتج، حيث يقلل من استهلاك السلع.

وتمنى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، أن تكون نسب النمو بالمستقبل فى صالح الإنتاج وليس الاقتصاد الخدمى، مؤكدا أن الإنتاج سيوفر العملات الأجنبية التى نحتاج إليها بشدة فى مصر بجانب ضخ السلع فى الأسواق وفرص العمل.

وعن اشتراطات صندوق النقد الدولى ومدى استجابة مصر لاشتراطاته من أجل الحصول على القرض الجديد، أشار عيسى، إلى أن صندوق النقد له روشتة، والروشتة دائما ما تكون صعبة، معلقًا: «لازم آخد الدوا المر عشان أخف».

وألمح رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، إلى وجود مفاوضات شاقة بين مصر والصندوق، كما أن هناك تدخلات لدول كبرى لإقناع الصندوق بتخفيف اشتراطاته.

ومن جانبه قال محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد، إن التداعيات التى فرضتها هذه الأزمة المالية أدت إلى موجات تضخمية عالية، بالإضافة إلى أن تأثر سلاسل الإمداد وتباطؤ الإنتاج ألقت بظلالها على الدولة المصرية التى تعد المستورد الأول للحبوب من روسيا وأوكرانيا، فضلا عن ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة أسعار الفائدة لدى الفيدرالى الأمريكى، والذى بسببه سوف ترتفع تكلفة الإقراض ويقل الدخل المعد للاستهلاك والاستثمار فى مقابل الدخل المعد للادخار.

موجات التضخم

وأضاف «عنبر» فى تصريح خاص لـ«فيتو» أنه على الرغم من قوة الاقتصاد المصرى ومرونته فى التعامل مع الصدمات الخارجية إلا أن مصر شأنها شأن أي دولة فى العالم تأثرت جراء هذه الأزمة التى يكتنفها حالة كبيرة من عدم التأكد، وتعد وثيقة ملكية الدولة التى يدور حولها نقاش فى هذه الأيام واحدة من أهم سيناريوهات التعامل مع هذه الأزمة إذا ما روعى فيها بعض الاعتبارات.

وأشار أستاذ الاقتصاد، إلى أن أول هذه الاعتبارات تتمثل فى أن لا تكون هذه الوثيقة مجرد برنامج حكومى، وإنما توجه اقتصادى للدولة إبان هذه الفترة يعبر عن أيديولوجية اقتصادية تستهدف تحفيز ودعم القطاع الخاص، وألا يتم التعامل مع الوثيقة باعتبارها سياسة بديلة عن الخصخصة، ولكنها تعنى استعداد الدولة للخروج عن بعض القطاعات تدريجيا تمهيدا لطرحها على القطاع الخاص.

وأكد عنبر، على أهمية تضافر كافة أجهزة الدولة نحو تشجيع كل من يفكر فى الإنتاج أو التشغيل، مشيرًا إلى أنه لا سبيل للخروج إلا بالاعتماد على أمرين: الأول دعم الإنتاج والتشغيل، والثانى إعادة هيكلة ملف التعليم والصحة.

ومن جانبه قال أحمد معطى الخبير الاقتصادى، إنه على الرغم من توقعات صندوق النقد الدولى بانخفاض الاقتصاد المصرى، إلا أنه لا يزال فى النطاق الإيجابى، وهناك عدد قليل من الدول التى يتوقع لها نمو إيجابى، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية معادلاتها فى الربع المالى الأخير بـ(-.9%) كما أن الصين لديها انكماش بـ(- 2.4%).

وأضاف الخبير الاقتصادى لـ"فيتو"، أن صندوق النقد الدولى لم يذكر فى تقريره بشأن معدلات النمو أن دولتين فقط فى العالم ستحققان معدلات نمو أكثر من العام المالى السابق، وبالتى فإن الوضع غير مقلق بالنسبة لمصر.

وأشار «معطى» إلى أن معدلات النمو حتى وإن كانت فى عقارات أو طرق وكبارى فهى بالتالى ستعمل على تشغيل عدد من المصانع مثل الحديد والأسمنت وبالتالى زيادة العمالة المباشرة وغير المباشرة.

معدلات النمو

وألمح الخبير الاقتصادى، أن خروج مصر من الأزمة الاقتصادية العالمية بشكل آمن يكمن فى تحقيق معدلات نمو موجبة بجانب معدلات بطالة لا تتخطى الـ10%، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية تعمل فى هذا السياق بشكل جيد.

وعن مدى تأثر المواطن بهذه الأزمة، قال معطى، إن المواطن أكثر من يشعر بهذه الأزمة لأنه يرى أن مدخراته تتآكل؛ لأن هناك تراجع فى القوة الشرائية للجنيه أمام الدولار بجانب ارتفاع الأسعار بسبب التضخم العالمى.

وأشار إلى أن الأزمة الحالية مثل أي أزمة اقتصادية، ولابد من التعايش معها من جانب الحكومة والمواطنين لأنها أزمة عالمية، كما أن الدولة تعمل بشكل جيد فى هذا المجال، وأكبر مثال على ذلك هو إلغاء مصر طلبية قمح من أوكرانيا الجمعة الماضية، لأن القمح المتواجد يكفى السوق المحلى، وهذا يدل على حل الحكومة لأزمة القمح مبكرا.

ويرى معطى، أن إجراءات الحكومة كافية للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، بجانب تركيزها على الصناعة والزراعة وإعطاء فرصة أكبر للقطاع الخاص فى المشاركة بالاستثمار الداخلى والعلاقات الجيدة مع الدول الخليجية ودخول المستثمرين العرب فى مصر بمشروعات وليس أدوات دين كما كان يحدث بالماضى.

وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أن الحكومة لن ترضخ لكافة طلبات صندوق النقد الدولى بشأن القرض الجديد، ولكن سيكون هناك مفاوضات، مردفًا: الحكومة لن توافق على شيء يمكن أن يضغط على المواطن فى هذا التوقيت بالتحديد، لأن الأسعار حاليا مرتفعة نتيجة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه بجانب التضخم العالمى.

وقال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والإستراتيجى، إن توقعات صندوق النقد الدولى بشأن معدلات النمو للاقتصادات العالمية تتوقف على الظروف المحيطة بالدول، مضيفا أن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثير كبير على جميع دول العالم التى تستورد من الدولتين، مما جعل معدلات النمو فى تراجع مستمر مع استمرار الحرب التى تشهدها روسيا وأوكرانيا.

وعن قدرة مصر فى الخروج من الأزمة، أكد عبده فى تصريحات خاصة لـ"فيتو"، أن الدولة المصرية قادرة على الخروج من الأزمة الاقتصادية، فى حالة وجود سياسة اقتصادية ثابتة، يتم من خلالها تسهيل عمليات الاستثمار، بالإضافة إلى وجود منظومة عمل حقيقية تسهم فى نمو الاقتصاد المصرى وتخطى العقبات التى تعانى منها البلاد، مشيرا إلى أن الوضع العالمى سوف يصل إلى مراحل صعبة فى حالة استمرار التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم عالميا.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية