رئيس التحرير
عصام كامل

خدعة نمو الاقتصاد وكشف كذب الحكومة

عندما كتبنا في هذه المساحة في السنوات السابقة منتقضين الأداء الاقتصادي المعتمد على القروض والأموال الساخنة، وعدم الاعتماد على التصنيع المحلي والاهتمام بالمشروعات الصناعية الصغيرة، كنا نواجه ببعض الاتهامات من بينها تصدير الإحباط وعدم الاعتراف بالتقدم الاقتصادي، وقد اعتمد من واجهنا بهذه التهم على بيانات الحكومة التي قالت -وقتها- بأن الأداء الاقتصادي المصري على أعلى مستوى، فقد جاء بجريدة الشروق في 24 نوفمبر 2021 أن الاقتصاد المصري وفقا لبيان الحكومة قد حقق نموًا بلغ 9.8% خلال الربع الأول من العام المالي 2020/ 2021، وذكر البيان أن ذلك هو أعلى معدل نمو ربع سنوي خلال 20 عامًا، بفضل نمو أنشطة الصناعات التحويلية، والزراعة، والتجارة والعقارات. 

وقالت - وقتها - وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة هالة السعيد، إن مؤشرات الربع الأول من العام المالي الجاري، تظهر تحسن أداء الاقتصاد المصري، والاتجاه نحو التعافي من جائحة "كورونا". وبحسب الوزيرة –وقتها- من المتوقع استمرار ارتفاع معدل النمو السنوي ليتراوح بين 5.5% و5.7% بنهاية العام المالي الجاري، مدفوعًا بالطفرة المُحققة في معدلات النمو بالربع الأول، مشيرة إلى أن مختلف الأنشطة الاقتصادية حققت معدلات نمو موجبة خلال الربع الأول.

وذكر في ذلك الوقت – 2021 - الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة المصرية تستهدف تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، بنسب تصل إلى 7%، مرجعًا سبب توقعه إلى إشادة كبرى المؤسسات الدولية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي بعدما انعكس على تراجع معدلات البطالة والتضخم وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وقيمة الاحتياطات الدولية وعجز الموازنة. 

تحسن الاقتصاد

وجاء بجريدة اليوم السابع في 10 يونيو 2021 عن الحكومة، أنه فى دلالة واضحة على استمرار تحسن أداء الاقتصاد المصرى ونجاح تطبيق سياسات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى تبنته الدولة منذ عام 2016، حقق الاقتصاد المصرى أعلى معدل نمو له خلال 7 سنوات عامًا، وتصدر معدلات نمو أهم اقتصادات المنطقة لعام 2020، للعام الثالث على التوالى، واستطاعت مصر أن تحقق معدل نمو حقيقي موجب خلال عام 2020، والذى يعد الأعلى على مستوى العالم رغم جائحة كورونا. وأكد صندوق النقد - وقتها - أن الاقتصاد المصرى أبدى صلابته، متوقعًا أن يبلغ معدل النمو 2.8% فى السنة المالية 2020/2021، على أن يرتفع إلى 5.2% فى السنة المالية 2021/2022.

فكل هذه الأخبار والبيانات عن الحكومة -وقتها- كانت تؤكد عكس ما كنا نحذر منه، وكان بعض المتهمين لنا بتصدير الإحباط وعدم إدراك الصورة الصحيحة، يعتمد على تلك الأخبار والبيانات؛ بينما رحنا نؤكد أن الاقتصاد المصري لا يمضي بالصورة المثلى، وأنه اقتصاد ريعي ويعتمد على القروض والأموال الساخنة، وأن ذلك سيؤدي إلى خطورة الأمر، وها هي الأيام تكشف وتؤكد ما سبق أن حذرنا منه، ففجأة وجدنا مصر في هذا العام 2022 ومنذ شهور قليلة تتجه للاقتراض السريع من قطر والسعودية والإمارات بصورة تؤكد حرج الموقف الاقتصادي والمالي لمصر، وبصورة تبدو مهينة عندما تذهب مصر لهذه الدول وتطلب القرض السريع، فأين قوة الاقتصاد إذا؟! 

جذب استثمارات دولارية

ولم يتوقف الأمر على ذلك بل إن ضعف الأداء الاقتصادي ظهر جليا في عجز الموازنة ذلك المؤشر الذي يدل على قوة الاقتصاد وضعفه، ففي بداية السنة المالية الحالية والتي بدأت في 1 يوليو 2022 ظهر عجز أكبر من حيث القيمة مقارنة بالعام المالي السابق، وتتوقع الحكومة ارتفاع العجز الكلي في السنة المالية الجديدة إلى 558 مليار جنيه، مقابل 475.5 مليار جنيه خلال العام السابق ليبلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي. 

وهنا تبحث الحكومة عن طرق لتحمل ذلك العجز، وأول الطرق عند الحكومة ليس التصنيع والاهتمام بالتصدير الخ لكن مباشرة يكون الاقتراض من صندوق النقد الدولي، ذلك المخادع الذي ذكر سابقا أن مصر تسير في نمو اقتصادي عالمي وإتضح كذب ذلك بالفعل؛ لأن الصندوق أداة لتخريب الدول كما قد سبق أن أوضحنا في عدة مقالات بالأدلة القاطعة.

كما تحاول الحكومة معالجة أزمة العجز من خلال جذب استثمارات دولارية عبر خصخصة حصص في شركات وأصول مملوكة للدولة، في وقت تحقق الدول الخليجية فوائض مالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط. فيذكر وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، أن الوزارة تطرح الفرص الاستثمارية على المستثمرين الأجانب بما فيها الصناديق السيادية العربية ورجال الأعمال نظرًا للحاجة لتوفير الدولار.

وتعتزم الوزارة طرح حصة بين 20- 30% من شركة جديدة يتم تأسيسها لتضم عدة فنادق حكومية على المستثمرين، إضافة لعدد من المشروعات العقارية والفندقية. وكان الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، طرح، وثيقة ملكية الدولة للحوار المجتمعي، معلنًا القطاعات التي تنوي الحكومة التخارج منها جزئيًا أو كليًا لإعطاء مزيد من المساحة للقطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد. وتستهدف الحكومة جمع 10 مليارات دولار سنويًا من خلال تسييل الأصول المملوكة لها، بإجمالي 40 مليار دولار خلال 4 سنوات.

قرض جديد

وبالطبع لتخفيف العجز وطبقا لأوامر صندوق النقد الذي يناقش منح مصر قرضا آخر سيكون الاتجاه إلى رفع كل الدعم عن أي سلعة للفقراء خاصة رغيف الخبز، مع الاتجاه لرفع جميع أسعار الخدمات الحكومية وأسعار الطاقة والكهرباء الخ؛ مما يزيد حياة الناس توترا وإحباطا ومشقة وصعوبة نراها في الجرائم البشعة التي كثرت في المجتمع المصري، وكثرة الانتحار وقتل الأزواج والزوجات والانحرافات المختلفة تجاه المخدرات والشهوات الخ. 

وقد أعلن بالفعل صندوق النقد الدولي أنه أجرى مناقشات مثمرة مع المسئولين في ‎مصر حول السياسات والإصلاحات الاقتصادية ستكون مدعومة من خلال تسهيل قرض. وقال إن فريقا من خبراء صندوق النقد الدولي والسلطات المصرية أجروا مناقشات مثمرة حول السياسات والإصلاحات الاقتصادية التي ستدعمها تسهيل الصندوق الممدد (EFF) في الفترة المقبلة. 

 

إذا بالأدلة الواضحة نجد أن الاقتصاد المصري منذ سنوات وهو لا يمضي بالصورة المرضية لطموح وآمال الشعب المصري، بل العكس صحيح فهو يمضي في اتجاه توريط الشعب المصري في القروض والديون وارتفاع الدين الخارجي والداخلي إلى معدلات غير مسبوقة، ومع كل ذلك كانت الحكومة تتبجح بنجاح الاقتصاد المصري وتحقيقه أعلى معدلات عالمية، وكنا نكذب ذلك بالأدلة حتى أتى اليقين.

الجريدة الرسمية