رئيس التحرير
عصام كامل

كيف استشرف المفكرون المصريون مستقبل إسرائيل.. حمدان: لن تستمر إلا بالحديد والنار.. و"المسيري": الحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس

عبد الوهاب المسيري،
عبد الوهاب المسيري، فيتو

احتل الكيان الصهيوني مساحة كبيرة في تفكير الطبقة الأولى من المفكرين والأكاديميين المصريين المهمومين بقضايا أوطانهم؛ حيث أولوَه اهتمامًا عظيمًا، وكانوا واضحين في عداوتهم له، محذرين من مهادنته أو غض الطرف عن مخططاته الآثمة.

الأكاديمي البارز الدكتور جمال حمدان، والمفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري يُعتبران من أهم المفكرين الذين تناولوا الظاهرة الإسرائيلية بأبعادها كافة: تحليلًا وتشخيصًا وتمحيصًا واستشرافًا، وأثبتت السنون والأيام المتعاقبات صدق رؤيتهما وصواب حدسهما ودقة تحليلاتهما؛ ما ينبئ بأن كليهما كان سابقًا لعصره، قارئًا للواقع والمستقبل بصورة دقيقة، وهو ما يجعل العودة إلى كتاباتهما في كل مرة تعلن إسرائيل فيها الحرب على الفلسطينيين أمرًا لا مفر منه.

فضح مخططات إسرائيل وعارض نظام مبارك، 15 عاما على رحيل المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري

جمال حمدان

زمنيًا.. سبق الدكتور جمال حمدان الدكتور عبد الوهاب المسيري، حيث عاش الأول بين عامي: 1928 -1993، فيما عاش الثاني بين عامي: 1938 -2008، واحتفى "المسيري" بكتابات "حمدان" وأشاد بتفردها وعبقريتها؛ خاصة فيما يتصل بالشأن الصهيوني، ولو سبق "المسيري" "حمدان" لفعل الأخير الأمر ذاته، فالعلماء الحقيقيون والراسخون في العلم يشهدون لبعضهم بعضا دون أن تشوب نفوسهم أغلال ولا أحقاد.

جمال حمدان، عاشق مصر والحقيقة 95 عاما من الميلاد

جمال حمدان 

"حمدان" يكشف أكذوبة اليهود الحاليين

في كتابه: "اليهود إنثروبولوجيًا"، الصادر في العام 1967.. أظهر "حمدان" جرأة واضحة في الحديث عن إسرائيل، حيث كان صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال فترات ما قبل الميلاد. 

في ذكرى ميلاد صاحب شخصية مصر.. الدكتور جمال حمدان الوطني العاشق

 

كتاب اليهود أنثروبولوجيا

 أستاذ الجغرافيا البارز أثبت بالأدلة العلمية أن اليهود المعاصرين الذين يدَّعون أنهم ينتمون إلى فلسطين ليسوا هم أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية الخزر التترية التي قامت بين بحر قزوين والبحر الأسود، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي.  

جمال حمدان.. العباقرة لا يموتون

المدهش في الأمر أن الكاتب والمفكر ذا الأصول اليهودية “آرثر كوستلر” أكد  ذلك أيضًا في كتابه: "القبيلة الثالثة عشرة" الصادر في العام 1976.

هدم أسس المشروع الصهيوني

عَمد "حمدان" في كتابه إلى هدم المقولات الأنثروبولوجية التي تُعد أهم أسس المشروع الصهيوني، حيث أثبت أن إسرائيل – كدولة – ظاهرة استعمارية صِرفة، قامت على اغتصاب غُزاة أجانب لأرض، لا علاقة لهم بها دينيًا أو تاريخيًا أو جنسيًا، مشيرًا إلى أن هناك يهودًا في التاريخ، قُدامى ومُحدثين، ليس بينهم أي صلة أنثروبولوجية، ذلك أن يهود “فلسطين التوراة” تعرضوا بعد الخروج لظاهرتين أساسيتين طوال 20 قرنًا من الشتات في المهجر، الأولى: خروج أعداد ضخمة منهم بالتحول إلى غير اليهودية، والثانية: دخول أفواج لا تقل ضخامة في اليهودية من كل أجناس المهجر، واقترن هذا بتزاوج واختلاط دموي بعيد المدى، انتهى بالجسم الأساس من اليهود المحدثين إلى أن يكونوا شيئًا مختلفًا كُلية عن اليهود القدامى.

 

متحف حي لكل الأجناس

يؤكد  "حمدان" أن اليهودية ليست ولا يمكن أن تكون قومية بأي مفهوم سياسي سليم، كما يعرف كل عالم سياسي، ورغم أن اليهود ليسوا عنصرًا جنسيًا في أي معنى، بل متحفًا حيًّا لكل أخلاط الأجناس في العالم، كما يدرك كل أنثروبولوجي، فإن فرضهم لأنفسهم كأمة مزعومة مدعية في دولة مصطنعة مقتطعة يجعل منهم ومن الصهيونية حركة عنصرية أساسًا.

 

دولة دينية صِرفة لن تبقى إلا بالحديد والنار

في كتاب آخر بعنوان: "إستراتيجية الاستعمار والتحرير".. وصف "حمدان" إسرائيل بأنها: "دولة دينية صرفة، تقوم على تجميع اليهود، واليهود فقط، في «جيتو» سياسي واحد، ومن ثم فأساسُها التعصب الديني ابتداءً، وهي بذلك تمثل شذوذًا رجعيًا في الفلسفة السياسية للقرن العشرين، وتعيد إلى الحياة حفريات العصور الوسطى بل القديمة".

أدرك عبقري الجغرافيا، أن الأمن يمثل المشكلة المحورية لهذا الكيان اللقيط، واعتبر أن وجود إسرائيل رهن بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة، مشيرًا إلى أنها قامت ولن تبقى إلا بالدم والحديد والنار. ولذا فهي دولة عسكرية في صميم تنظيمها وحياتها، ولذا أصبح جيشها هو سكانها وسكانها هم جيشها.

حدد “جمال حمدان” الوظيفة التي من أجلها أوجد الاستعمار العالمي  الكيان الصهيوني، بالاشتراك مع الصهيونية العالمية، وهي أن تصبح قاعدة متكاملة آمنة عسكريًا، ورأس جسر ثابت إستراتيجيًا، ووكيل عام اقتصاديًا، أو عميل خاص احتكاريًا، وهي في كل أولئك تمثل فاصلًا أرضيًا يُمزق اتصال المنطقة العربية ويخرب تجانسها ويمنع وحدتها وإسفنجة غير قابلة للتشبع تمتص كل طاقاتها ونزيفًا مزمنًا في مواردها.

في مقال للأكاديمي اللبناني جورج كعدي نشره تزامنًا مع ذكرى ميلاد جمال حمدان الأخيرة.. كشف خلاله عمل الجغرافي المصري الراحل على هدم الأضاليل الصهيونيّة أنثروبولوجيًّا منوهًا إلى أن "حمدان" وكتابه "اليهود أنثروبولوجيًّا" جديران بالعودة إليهما في هذه الآونة العصيبة، ككلّ سابقاتها وبلا انقطاع، من تاريخ الصراع الفلسطينيّ – الصهيونيّ، والصراع العربي – الصهيوني؛ فالبحث عن أصل المأساة التاريخية لا يتوقّف؛ كي يعي كلّ فرد، وبخاصّة جيل الشباب، ما هي حقيقة هذا العدوّ المحتلّ المستعمر الإحلاليّ الذي سلب شعبًا بأكمله أرضه ويمعن فيه حتى الساعة قتلًا وطردًا وتهجيرًا، من غير أن يتمكن من سلبه هويّته وتاريخه وحقّه في استرداد وطنه السليب.

 

المسيري ونبوءة العقد الثامن

ومع بداية العدوان الأخير على غزة قبل 40 يومًا، تحدث كثيرون عن نبوءة زوال إسرائيل، استنادًا إلى لعنة العقد الثامن التي يؤمن بها حاخامات إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الذي قال في برنامجه الانتخابي الأخير إن وجوده على رأس الحكومة يضمن لإسرائيل النجاة من الزوال مع اقتراب إتمام عامها الثمانين.

ذكرى رحيل صاحب أضخم موسوعة فى اليهودية والصهيونية

عبد الوهاب المسيري

على ذكر هذا الزوال الذي يتمناه كل ذوي الضمائر الحية عربًا كانوا أو غير عرب، فإن "المسيري" صاحب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" بأجزائها المتعددة، حدد عشر علامات تؤشر على أن زوال إسرائيل بات وشيكًا، نافيًا أن يكون لهذا التوقع علاقة بالتشاؤم أو التفاؤل، ومشددًا على أنه يقرأ معطيات وحقائق يستقيها من الكتب والصحف الإسرائيلية.

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية

العلامات العشر التي حددها المسيري في مقالات وندوات عدة قبيل وفاته في العام 2008 هي: تآكل المنظومة المجتمعية للدولة العبرية، والفشل في تغيير السياسات الحاكمة، وزيادة عدد النازحين لخارج إسرائيل، وانهيار نظرية الإجماع الوطني، وفشل تحديد ماهية الدولة اليهودية، وعدم اليقين من المستقبل، والعزوف عن الحياة العسكرية، وعدم القضاء على السكان الأصليين، وتحول إسرائيل إلى عبء على الإستراتيجية الأمريكية، واستمرار المقاومة الفلسطينية. 

تلك العلامات -بشكل أو بآخر- برزت في السنوات الأخيرة بمستويات متفاوتة، ولكن يبقى استمرار المقاومة الفلسطينية هو الإرهاصة الأكبر على حتمية زوال الكيان الصهيوني واقتلاع الزرع الشيطاني من قلب الأمة العربية ولو بعد حين. أثبتت المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن أنها لم تتخل بعد عن قضيتها الأبدية، وأنها لم تُلق سلاحها ولن تلقيه إلا بعد تحرير الأرض المغصوية، ويكفي أن إسرائيل تنفق منذ اليوم الأول لهذا العدوان 260 مليون دولار يوميًا على العمليات العسكرية، فضلًا عن التداعيات الاقتصادية المحلية للحرب.

كما عكست تقارير إعلامية أن هناك انقسامًا كبيرًا في الإدارة الأمريكية بشأن الدعم المستمر لإسرائيل في حربها على غزة وقتلها نحو 5 آلاف طفل ضمن نحو 11500 شهيد، فضلًا عن آلاف أخرى من الجرحى، والحصيلة بطبيعة الحال تبقى مرشحة للزيادة حتى تضع الحرب أوزارها، حيث كشفت التقرير أن 500 مسئول وموظف كبير في البيت الأبيض أرسلوا رسالة إلى الرئيس جو بايدن، احتجاجًا على دعمه الثابت لإسرائيل، أضف إلى ذلك المظاهرات الشعبية في عديد من الدول الغربية الصديقة للولايات المتحدة.

في المقابل.. فإن الإدارة الإسرائيلية نفسها ليست في أفضل حالاتها، سواء قبل الحرب أو بعدها، حيث تتعرض لغضب شديد من مواطنيها وصلت إلى ذروتها مؤخرًا، عندما تظاهر إسرائيليون أمام منزل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحاولوا اقتحامه.

 

جحيم مستعر

في غير مرة.. شدد "المسيري" على أن فلسطين لن تستسلم أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا، وسوف تناضل دون توقف، حيث كتب في مقال مطول عن الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في مطلع الألفية الثانية: "اعتقَد اليهود -أو أُريد لهم أن يَعتقدوا- أن فلسطين -بعد أن يدخلوها أو يَقتحموها- ستكون بلا ريبٍ لقمةً سائغة، وجنة عَدن التي وُعدوا بها، وعلى عكس ما أمَّلوا، فقد غَدت فلسطين جحيمًا مُستعر، يَلفح وجوهَهم أُوارُها، وتُحرِّق جلودَهم نارُها الجامحة، وتدريجيًّا بدأ الإسرائيليون يشعرون بأنَّ انتصاراتهم العسكريَّة لا معنى لها، وأنها لَم تَنجح في تحقيق السلام أو الأمْن لهم -فيما سمَّاه المؤرخ الإسرائيلي يعقوب تالمون: "عُقم الانتصار"، مُقتبسًا عبارة هيجل- وأنهم خُدِعوا عندما صُوِّر لهم أنَّ عملية الاستيطان في فلسطين سهلة، وتدريجيًّا تَنامَى إحساس بالورطة التاريخيَّة"، وهو ما يجعل الحديث عن زوال إسرائيل منطقيًا وليس ضربًا من خيال.

يقول "المسيري": إن موضوع نهاية إسرائيل مُتجذِّر في الوجدان الصِّهيوني، فحتى قبل إنشاء الدولة، أدرَك كثيرٌ من الصهاينة أنَّ المشروع الصِّهيوني مشروع مستحيل، وأنَّ الحلم الصِّهيوني سيتحوَّل إلى كابوس!

الداخل الإسرائيلي نفسه يؤمن بزوال الدولة الإسرائيلية، رغم الفوارق الرهيبة عسكريًا بينها وبين الفلسطينيين، وهذا ما ذكره مقال معنون بـ"ليلة سعيدة أيها اليأس.. والكآبة تكتنف إسرائيل" للكاتب الإسرائيلي "إيتان هابر" إبان الانتفاضة الفلسطينية قبل أكثر من 20 عامًا، عندما نوَّه إلى أنَّ جيش الحُفاة في فيتنام الشمالية قد هزَم المسلحين بأحدث الوسائل القتالية، ويَكمُن السر في أنَّ الرُّوح هي التي دفَعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار، الرُّوح تعنى المعنويَّات والتصميم والوعي بعدالة النَّهج، والإحساس بعدم وجود خيار آخر، وهو ما تَفتقده إسرائيل التي يَكتنفها اليأس"!

نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية