عالم أزهري عن قول "دي سنة سوداء": اعتداء على مقام الألوهية
حذّر الدكتور أسامة قابيل، أحد علماء الأزهر الشريف، من خطورة الانسياق وراء العبارات اليومية الشائعة التي تحمل في ظاهرها ضيقًا أو غضبًا، لكنها في حقيقتها تنطوي على مخالفة شرعية جسيمة، مؤكدًا أن أوصافًا مثل: «دي سنة سوداء»، «يوم أسود»، أو «أسبوع أسود» ليست مجرد كلمات عابرة، بل تعكس فهمًا خاطئًا لمعنى القدر والابتلاء، وقد تصل إلى حد الاعتراض على حكمة الله سبحانه وتعالى.
الحديث القدسي يحسم الأمر: سبّ الدهر إيذاءٌ لله لأن الأمر كله بيده سبحانه
وأوضح الدكتور قابيل أن الشريعة الإسلامية حسمت هذا الأمر بنصٍ صريح، مستشهدًا بالحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ، أن الله تعالى قال:"يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِيَ الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" (متفق عليه)، مؤكدًا أن هذا الحديث يبيّن خطورة التهاون في الألفاظ التي تتضمن سبّ الزمن أو تحميله مسؤولية ما يقع للإنسان من أحداث.
الدهر مجرد وعاء زمني لا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا يصنع الأحداث
وبيّن عالم الأزهر أن الدهر أو الزمن لا يفعل شيئًا بذاته، فهو مجرد إطار زمني تقع فيه الأقدار، وليس كائنًا حيًا يُوصَف بالبياض أو السواد، ولا يملك القدرة على إسعاد الناس أو شقائهم، مشددًا على أن من يسبّ الزمن إنما يخطئ في توجيه اللوم، لأن المدبّر الحقيقي لكل ما يحدث هو الله سبحانه وتعالى وحده.
سبّ الزمن في حقيقته اعتراض ضمني على تدبير الله وحكمته المطلقة
وأضاف الدكتور أسامة قابيل أن توجيه السباب للدهر أو الأيام هو في جوهره اعتراض غير مباشر على قضاء الله وقدره، وكأن الإنسان يحمّل الخالق مسؤولية ما لا يرضيه من أحداث، وهو ما يُعد تجاوزًا خطيرًا يمس مقام الألوهية والتدبير الإلهي، ويخالف جوهر الإيمان القائم على التسليم والرضا.
الموقف الشرعي الصحيح عند الشدائد: الصبر والاسترجاع لا السخط والاعتراض
وشدّد قابيل على أن الموقف الإيماني السليم عند وقوع المصائب يتمثل في الصبر، والاحتساب، والاسترجاع بقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، مؤكدًا أن المؤمن الحق لا يواجه الابتلاء بالسبّ أو التشاؤم، بل بالثقة في حكمة الله، واليقين بأن وراء كل قدر معنى ورسالة.
تحذير من خطورة الكلمة: اللسان قد يهوي بصاحبه دون أن يشعر
وناشد عالم الأزهر المسلمين بضرورة تطهير الألسنة من العبارات السلبية التي قد تُغضب الله تعالى، مذكرًا بأن الإنسان محاسب على كل لفظ ينطق به، مستشهدًا بقوله تعالى:"مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، مؤكدًا أن الاستهانة بالكلمات قد تجرّ على صاحبها إثمًا عظيمًا دون أن ينتبه.
التفريط في العمر والوقت خسارة حقيقية حذّر منها النبي ﷺ
وأضاف الدكتور أسامة قابيل أن النبي ﷺ نبّه إلى خطورة إهدار الزمن، بقوله:
«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، موضحًا أن كثيرًا من الناس يملكون الوقت والصحة، لكنهم لا يستثمرونهما فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فيخسرون دون أن يشعروا، ثم يلقون باللوم على الأيام والسنين.
سبّ الزمن هروب من مواجهة حقيقة الابتلاء وسوء فهم لمعناه
وأكد قابيل أن تحميل الزمن مسؤولية الإخفاقات ليس إلا صورة من صور العجز عن فهم فلسفة الابتلاء في الإسلام، مشيرًا إلى أن المطلوب من المسلم هو استثمار الأيام والساعات في الطاعة والعمل والإصلاح، لا تحويلها إلى شماعة يُعلّق عليها فشله أو تقصيره.
دعوة لاستقبال العام الجديد بالأمل وحسن الظن بالله لا بالتشاؤم والسبّ
وفي ختام حديثه، شدّد الدكتور أسامة قابيل على أن بدايات الأعوام يجب أن تكون محطة مراجعة صادقة للنفس، وفرصة للتغيير والإصلاح، لا مناسبة لبثّ التشاؤم وسبّ الأيام، داعيًا إلى استقبال القادم بالأمل، والعمل الجاد، وحسن الظن بالله، والدعاء بالخير، متمنيًا أن يكون العام الجديد عام وعيٍ، تُصان فيه الألسنة، وتُستثمر فيه الأوقات، وتُستقبل فيه أقدار الله بالرضا والثقة في حكمته سبحانه وتعالى.