فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الإيمان كملاذ إنساني، طقوس صامتة على أعتاب عام جديد

الإيمان كملاذ إنساني
الإيمان كملاذ إنساني

مع اقتراب نهاية كل عام، لا ينشغل الناس فقط بالاحتفالات أو العدّ التنازلي للسنة الجديدة، بل يقفون لحظة صادقة أمام أنفسهم.

عامٌ يرحل محمّلًا بالخسائر، وآخر يقترب بلا ضمانات. في هذه المساحة الرمادية بين الخوف والرجاء، يلجأ كثيرون إلى الإيمان، لا كطقسٍ ديني فقط، بل كحالة إنسانية تمنحهم قدرًا من الطمأنينة، وتساعدهم على الاستمرار.

في تلك اللحظات، لا يسأل الناس: ماذا سنكسب؟

بل يتساءلون بصمت: هل سيكون القادم أرحم؟

الكنيسة… ورقة أمنية وصندوق رجاء

داخل كنيسة العذراء، لا يأتي المصلّون فقط لأداء الصلوات، بل يحمل كلٌّ منهم حكاية خاصة.

بعضهم يكتب أمنيته في ورقة صغيرة: شفاء مريض، حل أزمة، ستر حال، أو بداية جديدة أقل وجعًا.

تُطوى الورقة بعناية، وتوضع داخل صناديق مخصّصة للأمنيات، كأن الكتابة نفسها اعتراف، وكأن تسليم الورقة هو تسليم الهم.

إلى جوار ذلك، يضع كثيرون تبرعاتهم في صناديق أخرى مخصّصة للكنيسة أو لمساعدة المحتاجين، في فعل يجمع بين الدعاء والعمل، وبين الرجاء والمسؤولية.

لا أحد يقرأ ما كُتب، ولا أحد يسأل عن التفاصيل، فالمكان يمنح الإحساس بالأمان، ويترك لكل شخص مساحته الخاصة مع الله.

المساجد والأضرحة… الدعاء ذاته بلغة أخرى

المشهد نفسه يتكرر، وإن اختلفت التفاصيل، داخل المساجد والأضرحة.

في مسجد السيدة زينب بالقاهرة، يقف الناس في صمت، يرفعون أيديهم بالدعاء، أو يهمسون بما أثقل صدورهم.

البعض يتقرّب إلى الله بالصلاة، وآخرون بصدقة، أو بزيارة ضريح يشعرون فيه بالسكينة.

وفي الإسكندرية، عند ضريح النبي دانيال، يأتي الزائرون محمّلين بالرجاء نفسه:

رجاء في الفرج، في الطمأنينة، وفي أن يكون الغد أفضل من الأمس.

الاختلاف في الشكل لا يُلغي التشابه في الجوهر؛ فالحاجة واحدة، والدعاء واحد، والبحث عن الأمل واحد.

الإيمان… حاجة إنسانية قبل أن يكون طقسًا

في هذه اللحظات، لا يبدو الإيمان نقاشًا فكريًا أو التزامًا شكليًا، بل يتحوّل إلى ملاذ.

الإيمان هنا هو الاعتراف بالعجز، والاقتراب من الله طلبًا للقوة، لا طلبًا للمعجزات.

هو محاولة لترميم الداخل، ولمنح النفس استراحة من ثقل التفكير والخوف.

الرجاء لا يعني اليقين،

والأمل لا يعني غياب القلق،

لكن العبادة تمنح الإنسان شعورًا بأنه ليس وحده في مواجهة القادم.

لماذا نلجأ إلى الله في نهاية العام؟

لأن نهاية العام تكشف هشاشتنا بوضوح.

تُسقط أوهام السيطرة، وتذكّرنا بأن التخطيط وحده لا يكفي، وبأن بعض الأمور تحتاج إلى تسليم حقيقي.

يلجأ الناس إلى الله عندما تعجز الكلمات،

وعندما لا تُجدي النصائح،

وعندما يصبح الصمت أثقل من الاحتمال.

في الدعاء، وفي التقرب، وفي العبادة، يجد الإنسان لحظة صدق نادرة:

يعترف فيها بخوفه، ويتمسك برجائه، ويمنح نفسه فرصة جديدة للاستمرار.

على أعتاب عام جديد

مع بداية السنة، لا يدخل الناس إليها بثقة كاملة، بل بحذر وأمنيات بسيطة:

صحة، ستر، هدوء، وقليل من السلام الداخلي.

قد لا تتحقق كل الأمنيات،

لكن مجرد كتابتها، أو الدعاء بها، أو التصدق من أجلها،

هو فعل أمل،

ومحاولة إنسانية لمقاومة اليأس.

الإيمان كنجاة نفسية

في النهاية، الإيمان لا يعد بأن كل شيء سيكون على ما يرام،

لكنه يطمئن الإنسان بأنه لن يكون وحيدًا تمامًا.

ومهما اختلفت الأماكن بين كنيسة ومسجد وضريح،

تبقى لحظة الرجاء واحدة،

ويبقى الإيمان هو أقرب ما يلجأ إليه الناس

حين يقفون على أعتاب عام جديد،

باحثين عن نجاة نفسية…

وأمل لا ينطفئ