فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ما يريده المصريون من الحكومة في 2026.. السيطرة على الغلاء وزيادة القدرة الإنتاجية والتصديرية.. خفض الدين وتراجع التضخم وجذب المزيد من المصانع الأجنبية

د. مصطفى مدبولي،
د. مصطفى مدبولي، فيتو

شهد الاقتصاد المصري خلال عام 2025 تحولات مفاجئة وتقلبات حادة وغير مسبوقة، وضعته على مسار جديد، انتقل فيه من حالة الاضطراب التي سيطرت على المشهد في الأعوام السابقة إلى مؤشرات نمو قوية وتراجع ملحوظ في معدلات التضخم. هذا التحول المدعوم بتدفقات دولارية ضخمة وصفقات استثمارية كبرى أعاد الثقة إلى الأسواق، لكنه ترك تساؤلات حول استدامة هذا الزخم والتحديات المتبقية، خاصة ملف الدين الخارجي، حيث تشير المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري نهاية عام 2025 إلى مسارين متعارضين، الأول انتعاش قوي في النمو والاستثمارات وسوق المال، والثاني عبء ديون خارجية يصل إلى حدود غير مسبوقة، مما يضع صناع السياسة أمام سيناريوهات معقدة للمرحلة المقبلة.  

وكشف عدد من خبراء الاقتصاد، عن التطورات المفاجأة التي حدثت للاقتصاد المصري خلال 2025، وتوقعاتهم للعام المقبل في ظل الزيادات المستمرة في أعباء الديون، والخطط التي من الضروري تركيز الحكومة عليها للسيطرة على الديون ومحاولة خفضها خلال الفترة المقبلة.

قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد المصري سجل خلال العام المالي الحالي 2025/ 2026 أعلى وتيرة نمو ربعي في أكثر من ثلاثة أعوام، حيث ارتفع معدل النمو الربعي بنسبة 5.3% في الربع الأول من السنة المالية، وهو أقوى أداء منذ 14 فصلا مضيفا في تصريحات خاصة لـ "فيتو"، أن هذا الأداء الإيجابي في معدلات نمو الاقتصاد المصري يرجع إلى تحسن أداء قطاعات حيوية، لا سيما مع انتهاء سلسلة الانكماشات التي عانت منها إيرادات قناة السويس لمدة 18 شهرا، حيث سجلت نموا بنسبة 8.6% في الأشهر المنتهية في سبتمبر، كما ارتفع مؤشر مديري المشتريات في نوفمبر 2025 إلى 51.1 نقطة، وهو أعلى مستوى في خمسة أعوام، مشيرا إلى تحسن في ظروف التشغيل والنشاط الاقتصادي.

وأكد، أن البورصة المصرية كانت خير عاكس للتحسن الاقتصادي، على الرغم من التقلبات الحادة التي شهدتها، مشيرا إلى أن الاضطرابات التي مر بها سوق المال في بداية العام كانت مجرد ارتجافات قبل الانطلاق الكبير.

وأكد أن البورصة استوعبت الصدمات، خاصة بعد إتمام صفقة رأس الحكمة واتخاذ قرارات التيسير النقدي، موضحا أن وصول المؤشر الرئيسي (EGX30) إلى مستوى قياسي جديد وتجاوزه حاجز الـ 42 ألف نقطة، بعد أن كان حول الـ 36 ألفا في سبتمبر يمثل دليلا قاطعا على عودة ثقة المستثمر المحلي والأجنبي، وتحول الأسهم إلى ملاذ استثماري جاذب في ظل تراجع أسعار الفائدة الحقيقية، متوقعا استمرار جاذبيتها في 2026.

وبالنسبة للتضخم وأسعار الفائدة، أوضح الدكتور عادل عامر، أن من أبرز التطورات التي شعر بها المواطن كانت في معركة التضخم، حيث نجح البنك المركزي في كبح جماحه بعد أن وصل إلى مستويات تاريخية اقتربت من 41%، مشيرا إلى أن انخفاض معدل التضخم السنوي العام إلى حوالي 10% في نوفمبر 2025، بعد هذه المستويات القياسية، يمثل مؤشرا إيجابيا للغاية على نجاح السياسات النقدية والتدفقات الدولارية في كسر توقعات التضخم.

وتابع: هذا التراجع منح لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المساحة لخفض أسعار الفائدة الأساسية بإجمالي 625 نقطة أساس على 4 دفعات موزعة بواقع 225 نقطة أساس في أبريل، و100 نقطة أساس في مايو، و200 نقطة أساس في أغسطس، و100 نقطة أساس في أكتوبر، هذا التيسير النقدي ضروري لتحفيز الاستثمار والنمو الحقيقي في 2026.

ومن جانبه قال الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد المصري شهد معدلات نمو مرتفعة خلال العام الحالي، وسط توقعات زيادة معدلات النمو خلال 2026، حيث تشير معظم المؤسسات الدولية إلى استمرار مسار التحسن في 2026، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي نموا بنسبة 4.5%، والبنك الدولي 4.8%.

وأضاف الشافعي، أن هذا النمو الذي يتحقق ليس نظريا، ولكنه مدعوم بضخ حقيقي للعملة الصعبة، والأهم هو ما حدث في سوق الصرف، حيث ارتفعت قيمة الجنيه المصري بشكل كبير أمام الدولار خلال 2025، مما انعكس على هبوط سعر الدولار بأكثر من 4 جنيهات بعد أن سجل أعلى مستوياته في أبريل 2025 عند حوالي 51.72 جنيها، ليصل الآن إلى نحو 47.5 جنيها.

وأوضح أن هذا الاستقرار النسبي في سعر الصرف بعد التعويم، يمثل عاملا حاسما في تخفيف الضغوط على التكاليف وتحسين البيئة الاستثمارية، وهو ما نترقبه كعامل استقرار رئيسي في 2026.

وعن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، أكد الدكتور خالد الشافعي، أن اتفاقيات الاستثمار الأجنبي المباشر الكبرى، وعلى رأسها صفقة رأس الحكمة، وعلم الروم، شكلت نقطة تحول فاصلة في عام 2025، حيث أطلقت الصفقات الكبرى رصاصة الرحمة على أزمة شح العملة الأجنبية، وكسرت الدائرة المفرغة من التضخم والاضطراب.

وأشار، إلى أن ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يتوقع أن يصل إلى مستويات غير مسبوقة، لم يقتصر فقط على القطاع العقاري، بل جذب المزيد من المصانع الأجنبية في قطاعات استراتيجية كالطاقة والصناعة، مشيرا إلى أن هذا يضع مصر على الطريق الصحيح نحو زيادة القدرة الإنتاجية والتصديرية، وهو الهدف الأسمى لعام 2026".

وبالنسبة لتحدي الدين الخارجي، قال الشافعي، إنه على الرغم من كل المؤشرات الإيجابية، يظل ملف الدين الخارجي وتكاليف خدمته هو التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة في عام 2026.

وحذر من أن دين مصر الخارجي ارتفع مجددا ليصل إلى حوالي 161.2 مليار دولار في الربع الثاني من 2025، مشيرا إلى أن هذا العبء ما زال يمثل ضغطا كبيرا على الموازنة العامة، خاصة في ظل الالتزامات الكبيرة المتوقعة لسداد أقساط وفوائد الدين خلال 2026.

وطالب الحكومة، بضرورة مضاعفة جهودها في مجال الإصلاحات الهيكلية التي تضمن زيادة الموارد الدولارية المستدامة، وليس الاعتماد على الصفقات المرة الواحدة، وتفعيل برنامج الطروحات الحكومية بشكل أكثر فعالية لخفض المديونية وتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي.

وعما ينتظره المصريون من الحكومة في 2026، أكد الدكتور خالد الشافعي، أنه بعد ترويض التضخم، ينتظر المصريون أن تنعكس ثمار الاستقرار الاقتصادي على قوتهم الشرائية وعلى الخدمات الأساسية.

وطالب الحكومة في 2026، بضرورة التركيز على القطاع الخاص، عبر إنهاء البيروقراطية وتسهيل الإجراءات أمام المستثمر الصغير والمتوسط، وتفعيل الرخصة الذهبية للجميع، بالإضافة إلى تحسين مستوى المعيشة، من خلال زيادة الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية، التي يشعر بها المواطن بشكل مباشر.

كما طالب بضرورة إدارة الدين، عن طريق وضع خطة واضحة ومستدامة لخفض الدين الخارجي وإدارة المخاطر المرتبطة بجدول السداد المستقبلي، مشيرا إلى أن عام 2025 كان عام إعادة الثقة، وعام 2026 يجب أن يكون عام جني الثمار والتنمية المستدامة.

من جهتها، حددت الحكومة المصرية أولوياتها للعام القادم، فقد أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الأولوية القصوى لعام 2026 هي خفض الدين العام الكلي والخارجي، بهدف تقليل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 75% خلال ثلاث سنوات.

وأضاف أن هذا التخفيض سيمكن الدولة من تخصيص مزيد من الأموال للصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية.

وبالرغم من كل المؤشرات الإيجابية التي قدمها الاقتصاد المصري خلال العام الحالي، وتوقعات 2026، إلا أنه يبدو وكأنه يسير على حبل مشدود، فمن ناحية، تظهر جهود الإصلاح واستقطاب الاستثمارات ثمارا إيجابية في مؤشرات النمو والاستقرار النقدي، ومن ناحية أخرى، فإن جبل الديون المتراكم يهدد بابتلاع هذه المكاسب إذا لم تترجم سياسات خفض الدين إلى نتائج ملموسة وسريعة، العام المقبل 2026 سيكون تحديا حقيقيا لقدرة السياسات المالية على تحقيق المعادلة الصعبة، المتمثلة في استدامة النمو وترشيد الدين في آن واحد.